“بائعُ الثّلج“!.
يُحكى أنّ رجلًا كان يبيع الثلج، وينادي عليه فيقول: “ارحموا من يذوب رأس ماله”.
فقد كان هذا الرجل يستدرّ عطف الناس كي يشتروا منه، لأنّ بضاعته ستذوب مع الوقت فتفنى. فهو إن لم يبع الثلج بالسرعة الممكنة والمناسبة فإنّ الثلج سيذوب وسيخسر رأس المال. لهذا ينادي في السوق بنبرة حزينة: ارحموا من يذوب رأس ماله.
يقول أحد الصالحين: لقد قرأت سورة “العصر” لعشرين سنة خلت ولم أفهم معناها بشكل كافٍ ودقيق. إذ يقول الله تعالى في محكم تنزيله: “والعصر، إنّ الإنسان لفي خسر، إلّا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وتواصوا بالحقّ، وتواصوا بالصّبر”.
فقد كنت أفكّر كيف يكون الأصل في الإنسان الخسران، والله يؤكّده بكلامه المصدّق، ثمّ يستثني الناجين من الخسران بصفات أربع وهي: الإيمان؛ العمل الصالح؛ التواصي بالحقّ؛ والتواصي بالصبر.
إلى أن سمعت يومًا (والكلام لأحد الصالحين) بائع الثلج ينادي على بضاعته مستعطفًا الناس فيقول: “ارحموا من يذوب رأس ماله”، لأنّ الثلج ماء متجمّد، وقطرات الماء التي تسقط لن تعود مرّة أخرى.
وهنا فهمت معنى القسم في سورة “العصر” أنّ رأس مالك في الدنيا هو عمرك، واللحظة التي تمرّ من عمرك لن تعود ثانية.
لذا، فكلّ واحد منّا يذوب رأس ماله. فإن لم يغتنمه بالعمل الصالح، فهو حتمًا سيخسر، ولات ساعة مندم، وذلك هو الخسران المبين.
فيا أيّها الأحبّة الكرام، انتبهوا لرأس مالكم، وهو الوقت الذي تحيون فيه، قبل أن ينتهي الأجل فنخسر دنيانا وآخرتنا.
وها أنتم اليوم قدّر الله أن تكونوا من أهل شهر رمضان المبارك، ولا ندري إن كان سيمرّ علينا رمضان آخر. فانتبهوا إلى من يسرق منكم رأس مالكم، إذ كلّ واحد فينا يعرف من الذي سيسرق رأس ماله، فلا تضيّعوا لحظة من عمركم وأنتم لستم في ذكر الله وطاعته.
ونختم بقول الباري عزّ وجلّ: “إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات، إنّا لا نُضيع أجر من أحسن عملًا”.
صدق الله العظيم.
القاضي م جمال الحلو