الهديل

خاص الهديل: محمد شياع السوداني: صناعة الاستقرار للعراق ولإقليمه..

خاص الهديل:

يعتبر العراق من الدول والبلدان الصعبة على مستوى إمكانية إدارة الحكم فيها.. وصعوبة العراق على هذا المستوى تكمن في أن الحكم فيه، هو إدارة لموقعه الجيوسياسي المثقل بالتعقيدات السياسية والقومية والاقتصادية؛ وبذات الوقت هو إدارة لشؤون العراق الداخلية ذات التوازنات الدقيقة للغاية..

وفي هذه الفترة يبرز إسم رئيس الحكومة العراقي محمد شياع السوداني، بوصفه من جهة، رجل متفاعل باقتدار مع الواقع الجيوسياسي للعراق، وقارئ بذكاء للمعادلات الإقليمية والدولية الصعبة المحيطة ببلده؛ وبصفته من جهة ثانية رجل دولة بصير بشؤون إداراتها من أصغر تفصيل فيها إلى أكبر تعقيد بداخلها، ما يساعده على النجاح كنموذج للحاكم الشفاف داخل مهمة إدارة العراق الذي هو أحوج ما يكون لهذا النموذج من الحكم الرشيد.

لقد وصل الرئيس محمد شياع السوداني إلى رئاسة الحكومة العراقية في لحظة تشهد فيها بلاد الرافدين اختبارات للقوى داخل العراق وعلى العراق. 

..وكان أمام السوداني خيارين لا ثالث لهما؛ إما أن يرتضي نفسه “كيس رمل” يستخدمه متصارعو الداخل والخارج لتبادل اللكمات بين بعضهم البعض؛ وإما ان يقود السوداني العراق باتجاه أن يفرضه كموقع لتلاقي التوازنات السياسية الإقليمية المتصادمة، وكبلد يمكنه لو استعاد قوة دولته واقتصاده وسيادته أن يسهم بفضل ميزاته الهامة، بصناعة ليس فقط استقراره، بل استقرار كل محيطه الجيو سياسي. 

والواقع أن أهمية الرئيس محمد السوداني تكمن في أنه خلال فترة قصيرة من توليه زمام قيادة الدولة العراقية؛ نجح بايصال هذه القناعة للشعب العراقي ولدول منطقته والعالم ..

ولعل من بين أبرز الأهداف الهامة التي نجح بها الرئيس السوداني، هو أنه وبخلال أشهر قليلة، استطاع أن يعكس اتجاه الأضواء العالمية المسلطة على العراق؛ وذلك عبر جعلها تتسلط على موقع العراق كبلد بدأ ينتج الحلول لمشاكله، وأيضاً لمشاكل وأزمات المنطقة، بدل أنه ظل لأكثر من ثلاثة عقود ينتج الأزمات لنفسه ولمحيطه الإقليمي. 

..وصار واضحاً في هذه اللحظة، ليس فقط دور العراق في إنهاء الصراع الإيراني السعودي؛ بل قدرة السوداني على توظيف موقع العراق الجيو سياسي الهام في المساعدة بجعل معادلات الاستقرار في المنطقة تقف على أرض صلبة.

والفكرة الأساسية هنا هي أنه إذا كان العراق حاول منذ فترة أن يكون له دور في مصالحات دول المنطقة المؤثرة؛ فإن أهمية الرئيس السوداني داخل هذا الجهد، تكمن في أنه لم يقدم العراق كوسيط تقني وكحامل رسائل خير فقط، بل كموقع وكبلد قادر انطلاقاً من البدء ببناء تجربة استقراره، بالمشاركة الفاعلة في بناء استقرار إقليمه.. فالسوداني يربط عملية بناء استقرار العراق التي يخوضها بنجاح اليوم، بدور العراق في تعزيز بكل حراك الاستقرار في المنطقة؛ وبذلك ينقل السوداني العراق من مرتبة “دور تقني ايجابي في المنطقة” إلى مرتبة “وزن وموقع جيوسياسي في المنطقة وداخل المنطقة”؛ وبهذا المفهوم الجديد، فإن موقع العراق مع السوداني أصبح له داخل المصالحة بين الرياض وطهران معنى استراتيجي إيجابي؛ حيث انتقل العراق من كونه نقطة خلاف عليه بين طهران والرياض الى نقطة أنه مصدر تحصين للمصالحة الإيرانية السعودية؛ وذلك بالنظر لكون العراق ذاهب في إستراتيجية بناء استقراره واستقرار محيطه جيو سياسي.

لقد أضافت تجربة السوداني في المبادرة للإسهام في حل أزمات دول الجوار البعيد والقريب، أن أدوار الإسهام في استقرار المنطقة وحل أزماتها، لا يكون منفصلاً عن البدء ببناء استقرار الذات.. وكانت برزت في بلدان المنطقة مؤخراً الكثير من ظواهر أو حالات جعل مبادرات التدخل لحل الأزمات أو إنشاء الوساطات بين الدول، بمثابة مهام شخصية أو بطولات فردية تقدم لصاحبها نتائج من نوع إغناء مذكراته الشخصية بوقائع مواهبه؛ فيما هذا النوع من جهود الوساطات الخاصة، يجب أن تتم ضمن سياسة دولة، بحيث يكون لها مراديد على مستوى المصالح الوطنية العليا، وليس على مستوى مصالح الأشخاص المكلفين بها. 

..والواقع أن الرئيس السوداني صحح بالممارسة هذا المفهوم لما تعنيه دبلوماسية الوساطات الخاصة؛ وجعل مبادراته لصناعة حل الأزمات والسلم بين دول المنطقة، هي مبادرات وطنية عراقية تؤكد في نتائجها على موقع العراق الجيوسياسي الضخم، وأهميته كعامل استقرار للمنطقة وليس كمصدر لاختلال الاستقرار في المنطقة. 

وقصارى القول في هذا المجال أن الرئيس السوداني هو من هذه المدرسة التي تنطلق من جعل هناك صلة وثيقة بين بناء استقرار بلده، وبين الإسهام في بناء استقرار محيطه الإقليمي. وهنا تمكن ميزة السوداني الأهم؛ وهذا ما يجعل دوره على مستوى الإسهام بجمع رأسي الرياض وطهران على وسادة المصالحة، يمتاز بشكل خاص بأنه أكثر من مجرد دور تقني، بل هو دور له سمة الشريك السياسي سواء لجهة إسهامه بوضع مقدمات هذا الإنجاز العراقي الإيراني، أو لجهة – وهذا الأهم – جعل العراق له موقعه داخل نتائج هذا الإنجاز الإقليمي الكبير..

يبقى القول أن هناك في لبنان رهان كبير على العلاقة الاستراتيجية مع العراق، خاصة في ظل توجهات الرئيس السوداني الحالية المشجعة.. والواقع ان كل اللقاءات اللبنانية في العراق التي جرت بعد وصول السوداني لرئاسة الحكومة، وكان آخرها لقاءات نائب مدير أمن الدولة العميد حسن شقير، نقلت إلى بيروت “تقدير موقف” واضح، يفيد بأن بغداد وحكومتها الجديدة تريد بإخلاص أن تقدم للبنان كل الدعم الذي يمكّنه من تجاوز أزمته؛ ذلك أن العراق مع حكومة السوداني تنظر إلى الاستقرار؛ بوصفه ثروة المنطقة المقبلة؛ وتنظر إلى العراق بوصفه نقطة توازن الاستقرار سواء في العلاقات بين المشرق والخليج، أو بين العرب ودول الإقليم الكبيرة..

Exit mobile version