”
عام دراسيّ رابع غير مكتمل يشهده لبنان، بعد إضراب لأكثر من ثلاثة أشهر في المدارس الرسميّة عمّق الفجوة مع القطاع الخاصّ، وهدّد إمكانية إنجاز #الامتحانات الرسمية في ظلّ فاقد تعليميّ كبير لدى الطلاب. اليوم، تحاول #وزارة التربية والتعليم العالي، بالتعاون مع الروابط التربوية في القطاعَين الرسمي والخاص، إجراء الامتحانات بأقلّ الخسائر الممكنة، بدءاً من 6 تموز المقبل، فيما يجهد طلاب الشهادات الرسمية المتوسّطة والثانوية لتعويض الفاقد التعليميّ، مع الوقوع تحت ضغط كبير وتكثيف للموادّ، خلال وقت قصير، بعدما عادوا إلى المدارس في مطلع آذار.
في حديث لـ”النهار”، يعتبر وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي أنّ “إجراء الامتحانات الرسمية هذا العام يُعَدّ تتويجاً لمسار تربويّ، والامتحانات بحاجة إلى قرار واستعدادات مالية ولوجستية وبشرية، وقد استجمعنا كلّ العناصر التي تخوّلنا إجراءها”.
كذلك، لا ينكر الحلبي وجود خطر يُهدّد المستوى التربوي في لبنان، واصفاً الجيل الحالي بـ”المنكوب”، وهذا ما دفعه إلى الإصرار على إكمال العام الدراسي “بأيّ ثمن”، وذلك بعد معاناة مع 3 سنوات دراسية مضطربة، ويضيف: “نسعى إلى تعويض الفاقد التعليميّ، وما زلت متفائلاً أنّه بالرغم من التعثّر نحن على الطريق السليم، ومدّدنا العام الدراسيّ، خصوصاً للمرحلة الثانوية التي انقطع عدد منها عن التعليم كليّاً، وهذا مؤشّر خطير نعمل على معالجته بهدوء وحكمة”، داعياً “الأساتذة الممتنعين عن التعليم إلى تحمّل المسؤولية لئلّا نكون أمام تسرّب دراسيّ العام المقبل”.
وعند كلّ استحقاق رسميّ سنويّاً، تعلو الأصوات المطالِبة بإلغاء الشهادة المتوسّطة، وهو ما يؤكّده الحلبي لـ”النهار” بالقول: “سعيتُ لإعفاء الشهادة المتوسطة هذا العام، وهذه من صلاحيّتنا وتتمّ عبر مرسوم حكوميّ، لكنّ التربويّين يؤكّدون ألّا وسيلة أخرى للتقييم في حال إلغاء البريفيه، والعام الماضي لجأت مدارس عديدة إلى إعطاء إفادات لغير المسجّلين في المدرسة، وهذا لا يصبّ في مصلحة التربية”، كاشفاً أنّه “سنأخذ قرار إلغاء البريفيه في حال إقرار تشريع جديد يُحدِّد البديل، وهو قياس جودة التعليم في المدارس”.
ماذا بعد تمديد العام الدراسيّ؟
يروي الطالب في الشهادة الثانوية علي عطوي لـ”النهار” تجربته ورفاقه في ثانوية حسين مكتبي الرسمية، وهم الذين اختبروا عناء الإضرابات المتكرّرة على مدى ثلاث سنوات في المرحلة الثانوية. فانقطاع الطلاب عن التعليم دفع بعضهم إلى عدم الحضور إلى الصفوف بعد تعليق الإضراب، في حين اضطرّ آخرون إلى الاستعانة بأستاذ خاصّ في المنزل، أو إلى التسجيل في معهد للتقوية والدعم بعد الظهر، فيما البعض الآخر “لا حول لهم ولا قوّة” في ظلّ هذه الظروف الصعبة، وفق عطوي.
ويضيف لـ”النهار”: “في فرعنا علوم الحياة، عمل الأساتذة جاهدين لتعويض الفاقد التعليميّ، خصوصاً مع تقليص المنهاج من قبل وزارة التربية، فيما فروع أخرى في المدرسة منها الاجتماع والاقتصاد، لم تلقَ المتابعة التعليمية منذ وقت، بسبب امتناع المعلّمات والأساتذة عن الحضور وانتظار الطلاب لتعيين بديل لهم”.
لم يقتصر الانقطاع عن التعليم على إضراب الأساتذة فحسب، بل إنّ العطل الرسمية المتزامنة في أعياد الفصح والفطر، أدّت إلى تعطيل قسريّ أيضاً، في وقت لم يكُن الطلاب قد التقطوا أنفاس العودة إلى مقاعدهم بعد.
مع تمديد العام الدراسيّ إلى 15 حزيران وتقليص المنهاج، ثمّة توقّع بإمكانية إنهاء الموادّ المطلوبة للامتحانات قبيل موعدها، في حين أنّ أيّ طارئ قد يُصيب البلد، فـ”لن تتأثّر الامتحانات الرسمية فقط”.
يكمن التحدّي الآن في مواءمة المستوى الدراسيّ بين الرسمي والخاصّ، إذ يعتبر رئيس رابطة التعليم الأساسيّ الأستاذ حسين جواد أنّ “تقليص المنهاج سينعكس على مستوى الطلاب لاحقاً بسبب الفاقد التعليميّ، وهناك طلّاب يتعلّمون بفاقد منذ 3 سنوات ما سيؤثّر حتماً على مستوى الشهادة الرسمية بشكل عام”، مضيفاً: “من الممكن أن نلمس فرقاً بين الطالب في المدرسة الرسمية والخاصّة (إلى حدّ ما)”.
وعن آلية التعويض في الأسابيع المقبلة، يشرح جواد لـ”النهار”، قائلاً: “مطلوب منّا التعليم 28 أسبوعاً، أي ما يعادل 112 يوم عمل، وتقرّر إعطاء يوم تعليميّ إضافيّ، أي بمعدّل 5 أيّام تعليم أسبوعيّة. وبالتالي، يجب إنجاز المنهاج المتبقّي لغاية 15 حزيران المقبل. ووفق دراسة المركز التربويّ للبحوث، فإنّ التدريس خلال 112 يوماً سيكون كافياً لتعويض الفاقد للطلاب في المدارس الرسميّة”.
هذا الرأي استدعى ردّاً من وزير التربية، الذي كشف لـ”النهار” أنّ “نتائج العام الماضي بيّنت أنّ الفرق ليس كبيراً بين #المدارس الرسمية والخاصّة، وبعض الأوائل كانوا طلاباً من الرسمية، فلا يمكننا التعميم في هذه الحالات، فثمّة مدارس أكلمت تعليمها خلال فترة الإضراب”، من دون الإغفال أنّه “بالتأكيد هناك نقاط ضعف”.
لم تكُن آلية تقليص المناهج هذا العام عشوائية، بالرغم من الآراء الرافضة لها خصوصاً من المدارس الخاصّة، إذ يشرح الحلبي لـ”النهار” أسلوب التقليص قائلاً: “قدَّم المركز التربويّ للبحوث اقتراحاً للتقليص، تزامناً مع قياس مقدار التحصيل العلميّ الذي سلكته المدارس الرسمية والخاصّة، في حين أنّ بعض المدارس الخاصّة لا تزال مقصّرة في منهاجها أيضاً، وحتّى إن كان هناك تقليص للمناهج وتحديد لمواد اختيارية، فلا يمكننا قياس المستوى الأكاديمي إلّا بالامتحانات الرسمية”.
إلى ذلك، يبدو أنّ العودة إلى التدريس لم تكُن متكافئة على مستوى لبنان في 6 آذار الماضي، إذ ثمّة أساتذة ومعلمات امتنعوا عن الالتحاق بمدراسهم برغم إقرار الحكومة زيادة على الراتب بـ4 أضعاف، والذي اعتُبر حينها مقبولاً لإكمال العام الدراسيّ، ما يُخلّف ظلماً للطلاب بين منطقة وأخرى. لكنّ جواد يعتبر أنّ “الامتحانات يجب أن تُجرى لأنّ الإفادات لم تُجدِ نفعاً، فعدد من الدول في الخارج، ومنها العربية والصديقة، لم تقبل هذه الإفادات”.
ماذا عن الترتيبات اللوجستيّة لإجراء الامتحانات وعملية التصحيح؟ يؤكّد جواد أنّ “الأمور اليوم جيدة، فالوزارة يجب ألّا تخلّ بوعودها، خاصة في ما يتعلّق ببدل الإنتاجية البالغ 125 دولاراً و5 ليترات بنزين التي أقرّتها الحكومة، وأيّ خلل يعني أنّ الوزارة تضرب الامتحانات، وعلى الحكومة والوزارة حينها تحمّل المسؤولية”، مضيفاً: “لا أعتقد أنّ هناك نيّة للإخلال بالوعود، فهم أيضاً بحاجة لإجراء الامتحانات، والأساتذة جاهزون لإجرائها طالما كانت الأمور سالكة على السكّة الصحيحة، ولن نكون سلبيّين”.
تخوُّف الأساتذة من إخلال الحكومة بالوعود يعتبره الحلبي أمراً محقّاً، ويقول لـ”النهار”: “أتأمل أّلّا نصل إلى مرحلة لا تفي الحكومة بتعهّداتها والمعلّمين إلى الحدّ الأدنى من حقوقهم، وأنا معهم في مطالبهم، وسأسعى لأن نفي بوعودنا لهم”.
من جهته، يمتنع نائب رئيس رابطة التعليم الرسميّ الثانوي الدكتور حيدر إسماعيل عن التعليق على موضوع الامتحانات الرسمية، مؤكّداً، في إجابة مقتضبة لـ”النهار”، أنّ “الأمور لا تزال ضبابيّة، ولنا لقاء مع الوزير عبّاس الحلبي اليوم، ولسنا قادرين على إعطاء أيّ توجّه الآن بعد”، مشدّداً على ضرورة إجراء الامتحانات.
المدارس الخاصّة جاهزة
للمدارس الخاصّة رأي آخر، فقد علَت أصوات رافضة لتقليص المنهاج عاماً إضافيّاً، لما لذلك من تداعيات سلبية على المستوى الأكاديميّ للطلاب، خصوصاً طلاب الشهادة الثانوية، وتالياً على سُمعة الشهادة الرسميّة في لبنان. وهذه المدارس لم تقع تحت ضغط إضرابات أو تعطيل قسريّ، وبدت في أتمّ الجهوزية لإجراء امتحانات لطلابها وفق المنهاج كاملاً.
يصف الأمين العام لرابطة المدارس الإنجيلية في لبنان الدكتور نبيل قسطه الوضع الحاليّ بـ”بمرحلة تحديد الخسائر”، معتبراً أنّ “الحلّ الموجود هو المتاح والأفضل كي لا يُظلَم الطلاب في المدارس الرسمية”، متمنّياً أن “تكون هذه السنة الأخيرة لاجتزاء المنهاج، ويجب السير بخطة إنقاذيّة بعد 4 سنوات على هذا الواقع”.
ويقول لـ”النهار”: المدارس الخاصّة جاهزة لإجراء الامتحانات، ونبذل قصارى جهدنا للعودة إلى المستوى الذي كان قبل 3 سنوات، فهدفنا ليس النجاح بشهادة البكالوريا، إنّما الخطّة للعودة إلى ما قبل 2019، كما نسعى جاهدين كي نُعيد الامتحانات لتعبّر عن المستوى الأكاديميّ الصحيح والمطلوب للوضع التربويّ في البلد”.
وكالعام السابق، ترفض المدارس الخاصّة اللجوء إلى الموادّ الاختيارية، إلّا أنّ الواقع اليوم يفرض إنجاز الاستحقاق بخيارات استثنائيّة، ما يدفع المدارس الخاصّة إلى “التنسيق مع وزارة التربية والمركز التربويّ للبحوث لوضع نماذج الأسئلة”، وفق ما يؤكّد قسطه، مضيفاً أنّه “لسنا في شدّ حبال معهم، بل نحن متفهّمون، ولو بصعوبة، للوضع التعليميّ الحاليّ”.
إذن، ترزح المؤسّسات التربوية الرسمية والخاصّة، ومعها وزارة التربية، أمام تحدّي إنجاز الامتحانات الرسميّة في ظروف استثنائيّة لجهة الطلاب والأساتذة، فيما تبقى العين على النتائج المرتقبة، وما ستعكسه من واقع جليّ للوضع التربويّ في لبنان.