الهديل

هل السعادة قرارك؟

شيخة غانم الكبيسي

 

 

تعصف بنا الحياة، نسابق دوران كوكبنا، لتنقضي الأيام وتمضي السنون، تمر الليالي والساعات ليلة بعد ليلة ويوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة، لم نعد نحصي الدقائق المسرعة، ما بالك بتلك الثواني واللحظات الخاطفة، التي فقدت بالأحداث بريقها وطمست الوقائع معالمها، لندور في حلقات مُفرغة، أفقدتنا ذكرى الغبطة المُطمئنة، ولذة السكينة والراحة المُشرحة، فاعتدنا غياب المشاعر المُرضية، والسعادة المفرحة، لتغدو الأيام المُجحفة أبوابا وممرات تأخذنا فيها للتعاسة والحزن السرمدي.

بسبب تجاهلنا مواجهة ذاتنا وتحديد مدى استحقاقنا لهذه المشاعر المبهجة، التي نطلقُ عليها سعادة، لتشابك حروفها وقع جميل على المسمع، يرجوها الجميع ويضعها من أهم أهدافه، لأنها تُطمئن القلب وتشرح الصدر وتريح البال، فاختلفوا في تعريفها البسيط لحد التعقيد بسبب تباين مسبباتها ومصادرها التي أحالتها صعبة المنال ومستحيلة الاستمرار والتكرار.

رغم فروقاتها عن المتع القصيرة وجيناتها الوراثية إلا أنها حالة مُكتسبة يمكن إدخالها بتبني ثقافة التفاؤل، وتعلمها لتصبح أسلوب عيش، من خلال مؤشرات سلوكية تدل عليها، فالحياة نعمة والبهجة شُكرٌ للخالق، علينا أن نتوق إلى تذوقها للوصول لحالة الارتياح عند إيماننا بأن هناك دوماً مخرجاً من المشكلات في حال حدوثها، فنُدرب عقولنا على أن ترى النور وسط الظلام مهما كان حالكاً، ونبعد أفكارنا عن اجترار الماضي والتركيز على زيادة العائدات العاطفية بالمستقبل لتحفيز المشاعر والتخيلات الإيجابية التي تفرز مشاعر السعادة النابعة من العمق، والتي تفاوتت درجاتها عند الأشخاص، لكونها حالة يحكم من خلالها الفرد على حياته فيما إذا كانت مليئة بتلك الذبذبات المنعشة أو خاوية منها، كُلٌ حسب تعريفه ومصادره وقناعاته التي تُحفز لديه هذه المشاعر عند استعراضه للإجابات عند طلب معرفة الأسباب.

سؤالٌ بسيط يعتمد على شفافيتك لتعريفك الخاص لتلك القوى الخارقة التي تحتويك عند القيام بأمر مُحبب لقلبك، قد تدخلك الإجابات لعالم الراحة والأمان وقد تأخذك لغياهب التذبذب والهلع، فبمجرد محاولة استرجاع أسباب غياب تلك المشاعر، ستلوح على الفور كمية المشاكل والمعوقات التي اعترضت طريقك، والعقبات التي أفقدتك الأمل بوصولها إليك، لتدخل في دوامة درجة استحقاقك وطرق الوصول لهذه المشاعر والحفاظ عليها، في حين أن البعض قد يتسرع في فرضية استحقاقه لهذه المشاعر فيؤكد حرصه عليها ورغبته الشديدة لها ومن ثم يقف حائراً في كيفية الوصول إليها أو تنفيذها. كما أن هناك من يربطها بمرحلة محددة توفرت فيها وسائل تلبية الاحتياجات مع ندرة الاهتمامات وانعدام الخبرات وتجاهل الماديات.

دعني أنعش ذاكرتك، إن لم تكن الآن قد لاحت لك مقتطفات من طفولتك السعيدة، وأنت خالٍ من المسؤوليات والمتطلبات. لذا حاول أن تتخيل ابتسامتك الفارغة وهمومك الصغيرة التي كانت تُبكيك بين الحين والآخر، وكيف كُنت تتجاوزها سريعاً بفضل كلمة طيبة أو لعبة صغيرة أو حتى قطعة حلوى. حين كان هيناً عليك تخطيها ومسحها من ذاكرتك الفطرية، ففي لحظات ينقلب حزنك فرحاً وغضبك رضا، لكن الآن تغيرت الأحوال وتعقدت الأفكار واختلطت المشاعر، فأصبحت تتكبد المشقة في تجاهل التفاصيل الصغيرة بل تُضخمها لتبدو لك كالطود الذي يصعب تجاوزه.

لسنا غافلين عن مرارة الأوقات والظروف التي قد تجبرنا على التعاسة والحزن لتتلبس مشاعرنا لعدة أيام أو شهور في أقسى أوقاتها، ولسنا ناكرين تراكمات الصدمات والخبرات السابقة، ولكن يجب أن لا نسمح لهذا السواد والمناخ التشاؤمي بالتحكم بنا وتغليف قلوبنا وأحاسيسنا، فنحن من يختار ترجمة الأحداث، والتصرفات، والكلمات، والتعامل معها بناء على استعدادنا النفسي، وبُعدنا الثقافي، علينا تعمد حلحلة أقفال أبواب الفرح، لينساب دفء المشاعر لقلوبنا فيزيدها حيوية وانشراحاً.

هذا الشعور النسبي الذي يتفاوت البشر في امتلاكه وقلة منهم يتحكمون في أجزاء كبيرة منه بحياتهم، وليس معظمها، هناك من حَرّمه على نفسه وربطها بالأشخاص والماديات والأماكن والزمن الذي وجد فيه، ليضيع بضياعهم ويهتز لتذبذبهم.

جاهد لتخرج من شرنقة الأحزان، وافرد جناحيك مُحلقاً لاستشعار كل المعاني التي تعني لك وتفرح قلبك وتُبلغك مبلغ الرضا، فليس فخراً ألا نسقط، ولكن الفخر بنهوضنا كلما سقطنا، ووقوفنا أمام كل التحديات.

فالسعادة قرار إيجابي، إن لم تسعَ إليها فقد لا تجدها، لأنك لم تبحث عنها أصلاً، كما أنها لن تهبط عليك من السماء إن لم تزرعها في أرضك وتسقيها على الدوام.

Exit mobile version