الهديل

خلف الحبتور: رمضان فرصتنا الذهبية للتركيز على تطوير أنفسنا

مقالي الأخير عن أهمية التعلم من شهر ‎رمضان المبارك أهم الدروس وأثمنها، مثل الصبر، الانضباط، تهذيب النفس، ومراقبة الذات. فالغرض من ‎رمضان ليس فقط أن نمارس المزيد من العبادات التي تنتهي بانتهائه، بل بجودة هذه العبادات، ومواصلة العمل على تحسين ِذواتنا والتقرب من الله بالأعمالِ الصالحة طوال شهور العام التي تليه.

رمضان شهر الخير والكرم، شهر التوبة والمغفرة. فيهِ تفتحُ أبواب الجِنان، وتغلقُ أبواب النيران، وفيهِ نصوم، وهي شعيرة من أحب العبادات إلى الله تعالى، لما فيها من ضبطٍ للنفس، وإعادتها إلى الفطرةِ السليمة.
وفيهِ يزداد تقديرنا لنعمِ الله عزّ وجل، التي غالباً ما نغفل عن شُكرها، ونأخذها كأمور مسلّم بها، مثل الطعام والماء، وباقي الأساسيات، والكماليات.
يمرّ هذا الشهر الفضيل على المؤمنين وكأنه أيام قليلة، لكنه يُعلِّمنا الشهر الكريم أهم الدروس وأثمنها، مثل الصبر، الانضباط، تهذيب النفس، ومراقبة الذات.
فالصوم كما قال النبي(صلى الله عليه وسلم) شطر الصبر، والصبر شطر الإيمان.
يُساعدنا الصيام على التحكّمِ في رغباتنا ودوافعنا، والتركيز بدلاً من ذلك على ذواتنا وأعمقِ أفكارنا، وعلى أهدافنا في الحياة.
وينمّي داخلنا مشاعر التعاطف والرحمة تجاه من حولنا، ويُذّكرنا كذلك بمن هُم أقل حظاً، من يعانون من الجوعِ والعطش المستمر، ولا ينتهي جوعهم بحلولِ موعدِ الإفطار.
لذا، يعدّ عمل الخير والعطاء والتكافل المجتمعي من أبرزِ سمات هذا الشهر الفضيل، وتزداد فيه كثافة المبادرات الخيرية في دولة الإمارات، ومما رأيته بعيني، واستشعرته بقلبي، أقول بكل ثقة؛ لا ينقص مال من صدقةٍ أبداً، فلم أنفق درهماً واحداً في عملِ الخير، إلّا عوضني الله عنهُ أضعافا مضاعفة، واستشعرت أثره على كلِّ نواحي حياتي. فعمل الخير لا ينعكس أثرهُ على المحتاجين فقط، بل على المانحين كذلك؛ بالسكينةِ، والراحة، والرضا.
من عامٍ إلى آخر، أنتظرُ شهر رمضان بفارغِ الصبر، وأعدّه فرصة ذهبية للابتعادِ عن المُشتّتات والتركيزِ على زيادةِ الإنتاجية، واستشعار قيمة الوقت، وتفعيل الطاقة والابتكار، والعمل على تطوير أفضل نسخة من ذاتي خلال هذه الأيام المُباركة.
وأتعجب من الذين يأخذون رمضان مبرراً للكسل والخمول، وتأجيل المهمات، وتقليل الكلام بداعي الصيام، سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات وتقليل إنتاجيتها للنصف أو أكثر خلال شهر رمضان! فإن كانت ساعات العمل أقصر، لكنها مُركزّة أكثر وخالية من المُلهيات، والاستراحات الطويلة. فالحكمة من الصيام هي تصفية الذهن، وتركيز الطاقة، والإخلاص في العمل، الدنيوي والديني.
علاوةً على ذلك، لشهرِ رمضان تأثيره الإيجابي على العلاقات الاجتماعية، وخصوصاً في دول الخليج العربي. ففيه يزداد التقارب والتضامن في المجتمع، حتى على مستوى الأسرة الواحدة التي تلتمُ يومياً على وجبتيّ الإفطار والسحور.
وتزداد زيارات الأهل والأقارب والجيران، التي ربما تقلُّ بعض الشيء باقي اشهر السنة، في ظلِّ مشاغل الحياة. ويتميز الشهر الفضيل بالتكافل والتشاركية، حتى بالعبادات، مثل صلاة التراويح كل ليلة.
بالإضافة إلى عاداتنا وتقاليدنا الرمضانية الجميلة، نحرص في دولة الإمارات على إحياءِ تقاليد الشهر الأصيلة قدر المُستطاع، بل ونسعى الى تناقلها عبر الأجيال المختلفة، مثل المجالس الرمضانية التي تعجّب رائحة القهوة العربية والتمور، وما لها من دور في تقويةِ العلاقات الاجتماعية، وتشارك الضحكات والهموم أحياناً، وتعزيز الشعور بالانتماء، والهوية والتراث الثقافي.
ولا ننس موائد رمضان الشهيّة التي تميزها الأصناف الإماراتية التراثية على الإفطارِ والسحور، مثل “الثريد”، و”الهريس”، والحلويات مثل “اللقيمات”، و”الساقو”، و”الفرني”، والتي ترتبط بنكهةِ ذكرياتنا، وعلى بساطتها، لا تُقدر بثمن.
اقتصادياً، نرى تأثير رمضان الإيجابي بوضوح، فتكثر التجمعات والمناسبات الاجتماعية، داخل المنازل وفي الأماكن العامة، وفي كِلتا الحالتين، أثر هذه التجمعات مُحفز جداً للاقتصاد، وذلك بسبب زيادة الإقبال على المطاعم، والمرفقات وأماكن الضيافة، وبخاصة تلك الأماكن التي تعمل بذكاء، وتقدم خدمات مميزة على الإفطار والسحور. بالإضافة إلى الزيادة الواضحة في استهلاكِ السلع والأطعمة والمشروبات، التي يحتاجها كل منزل خلال الشهر الكريم.
في الخُلاصة، رمضان شهر الخير والإنتاجية والكرم، يذكرنا بنعم الله علينا، ويعلمنا تقديرها وحمدها، كما أنه يوّطد علاقاتنا مع أحبائنا ومجتمعنا، ويشجعنا على عمل الخير، ويحفزّنا على تطويرِ أنفسنا لأفضل نُسخة ممكنة.
فالغرض من رمضان ليس فقط أن نمارس المزيد من العبادات والعادات الحسنة التي تنتهي بانتهائه، بل بجودةٍ هذه العبادات والعادات واستمراريتها، ومواصلة العمل على تحسين ِذواتنا والتقرب من الله تعالى بالأعمالِ الصالحة طوال شهورِ العام التي تليه.
مع نهاية هذا الشهر الفضيل، أدعو الله سبحانه وتعالى أن يتقبّل منا ومنكم صالح الاعمال وسائر العبادات، على العالم أجمع بالخيرِ والبركة، وأن تترسخ فينا قيمه وتكون هداية لحياتنا على مدار العام.

 

رجل الأعمال الإماراتي خلف الحبتور

مؤسس ورئيس مجلس ادارة الحبتور غروب

 

Exit mobile version