خاص الهديل:
قد يكون أهم حدث في زيارة وزير خارجية إيران عبد الله اللهيان الأخيرة إلى لبنان، هو زيارته لبلدة مارون الرأس التي تبعد عن فلسطين المحتلة “مسافة صفر خط نار”؛ وأيضاً بحسب تقديرات المسافات السياسية والجيوسياسية وحتى الجغرافية..
وتظل زيارة اللهيان لمارون الرأس، هي درة تاج كل مسار زيارته للبنان؛ رغم أنه – أي اللهيان – التقى المسؤولين الرسميين اللبنانيين، والتقى عدداً من النواب، وتحدث عن أن طهران يمكنها أن تقدم للبنان كهرباء وطاقة (الخ..)، شرط أن تتجرأ بيروت وتدير ظهرها للتحفظات الأميركية على إقامة علاقات اقتصادية بين لبنان وايران، وهو شرط يعرف اللهيان أن الدولة اللبنانية لن تجرؤ على تنفيذه..
..وحتى لقاء اللهيان بأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله؛ فهو لا يعتبر حدثاً مهماً لجهة نتائجه اللبنانية، بل نتائجه تحسبها إيران في انعكاساته الإقليمية.. أما لقاؤه برئيس مجلس النواب نبيه بري، فهو تعبير عن حرص قادة الدولة الإسلامية في إيران على اللقاء به لدى زيارتهم لبنان، وذلك من باب حرصهم على مراعاة موقع بري داخل معادلة استقرار الساحة الشيعية في لبنان..
وبالإجمال يمكن القول أن لقاءات اللهيان في لبنان، كانت بروتوكولية، وتتوخى إظهار أنها تجري في إطار “زيارة دولة” لديها جدول أعمال رسمي يتضمن مواعيد ولقاءات، الخ.. وكلها انشطة لديها هدف أساسي وهو تحقيق أوسع صدى اعلامي داخل لبنان وخارجه.
.. أما المعاني السياسية الحقيقية للزيارة فهي تقع في ثلاثة أهداف:
أولاً- إثبات الحضور السياسي الإيراني في لبنان، وذلك في وقت تذهب فيه المنطقة إلى مرحلة عنوانها الأساسي يقول “أن المعادلات التي نشأت ما بعد الاتفاق الإيراني – السعودي هي ليست ذاتها التي كانت موجودة ما قبل الاتفاق الإيراني السعودي”.. والواقع أن اللهيان أراد من لقاءاته في لبنان، خاصة مع نواب من بيئات مختلفة؛ وأراد أيضاً من خلال تصريحاته السياسية التي تحث اللبنانيين على التوافق والإفادة من توجهات المنطقة الجديدة، إيصال رسالة تقول أن إيران ما بعد اتفاق بكين، باتت قوة إقليمية إيجابية تقود الحلول لأزمات المنطقة، ولم تعد تعبر فقط عن وجهة نظر محورها داخل أزمات المنطقة وصراعاتها..
ثانياً- كان لافتاً أن اللهيان لم يحمل معه إلى بيروت مبادرة إيرانية لحل الأزمة اللبنانية؛ وتفسير ذلك أن اللهيان يؤكد في زيارته للبنان على مبدأ تتمسك به طهران، وهو أنها لا تفاوض حول الأزمة اللبنانية بالنيابة عن حليفها حزب الله؛ بل الأخير هو من يفاوض في الشأن اللبناني، وطهران تدعمه؛ تماماً كما أن طهران لا تفاوض عن حليفها الحوثي بالشأن الداخلي اليمني بل الحوثي هو المخول بذلك؛ وطهران تدعمه…
إن ما يهم إيران سواء في الساحة اللبنانية أو اليمنية هو إبراز حضورها الجيوسياسي، وهذا الأمر تم إبرازه من خلال توقيت زيارة اللهيان للبنان، وبخاصة من خلال زيارته لبلدة مارون الرأس، وخطابه من حديقة البلدة المسماة “حديقة إيران” والتي أنشأها حزب الله بعد تحرير “الشريط الحدودي” عام ٢٠٠٠.
ولكن اللافت بخصوص جزئية الجانب اللبناني من زيارته، أن اللهيان ليس فقط لم يحمل مبادرة إيرانية بخصوص الأزمة اللبنانية، بل هو روج – حسب معلومات – لمبادرة سعودية ستصل إلى لبنان قريباً..
والواقع أنه إذا صحت معلومة أن اللهيان أبلغ نصر الله أن بلده اتفق مع الرياض على إطلاق الأخيرة مبادرة سعودية تجاه لبنان والحزب؛ فإن هذا يعني أن طهران تغطي في لبنان تحرك سياسي سعودي، يشبه التحرك الذي تقوم به الرياض في اليمن والذي تدعمه إيران .. ويصبح أيضاً متوقعاً أن يلتقي الوفد السعودي للتسوية اللبنانية حينما يأتي إلى لبنان، ممثلي حزب الله في الضاحية الجنوبية، كما التقى الوفد السعودي للتسوية في اليمن أنصار الله (الحوثي) في صنعاء.
الهدف الثالث العملي والأبرز في زيارة اللهيان للبنان هو زيارته لبلدة مارون الرأس التي تبعد أمتاراً فقط عن الحدود مع فلسطين المحتلة.. ومن هناك وجهت إيران من خلال تواجد اللهيان في مارون الرأس، رسالة بالصوت والصورة إلى إسرائيل مفادها نقطتين:
الأولى أن إيران أصبحت فعلياً إحدى “دول الطوق” مع اسرائيل، وقائدة المواجهة على “الجبهة الشمالية”..
والنقطة الثانية مفادها أن إيران أرادت أن تعلن من أقرب نقطة حدودية مع فلسطين المحتلة أنها انتصرت في الحرب التي كان سار بها منذ سنوات ترامب ونتنياهو من أجل عزلها عربياً، بدليل أن اللهيان يقف على كتف الجليل الفلسطيني المحتل وداخل فناء “حديقة إيران” في مارون الرأس، ليعلن نهاية مرحلة عزلة إيران العربية، وبداية مرحلة حصار إسرائيل إيرانياً…