كتب عوني الكعكي:
يذكّرني خطاب الصهر الفاشل جبران باسيل في جزين بولد صغير كان يلعب بِلُعْبَة اشترتها له أمه… وحان وقت الغداء، فحاولت الأم استعادتها منه كي يتناول طعامه الذي أحضرته له… فتمسّك الولد باللعبة، ورفض إعطاءها لأمه، التي كانت السبب في إهدائه اللعبة.
هذه الحكاية الطريفة والعجيبة في آن تنطبق في ما رَمَتْ إليه على الطفل المدلل المعجزة، الذي رَسخ في عقله فكرة أنّ الحكم “خُلِقَ” له، وأنّ من غير المسموح أبداً أن ينتقل الى أحد غيره، أو حتى من غير المسموح أن ينتزع أحدٌ منه هذا الحقّ، مهما علا شأنه وارتفعت منزلته…
من هذه النقطة بالذات أؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنّ “الطفل المعجزة” و”الصهر المدلّل” لا يزال يعيش حُلمَ السلطة وهاجسها.. وكما يبدو فإنه صار غير مقتنع بأنّ أسوأ ست سنوات وأصعبها مرّت في تاريخ لبنان، هي هذه السنوات العجاف التي حكم فيها عمّه لبنان وحكم هو من خلال عمّه لبنان أيضاً… فتهاوى لبنان، وترنّح اللبنانيون في هذا العهد حتى باتوا في قعر جهنم… جهنم التي بشّرنا بها عمّه بنفسه، حين سُئل عن مصير اللبنانيين وإلى أين هم ذاهبون؟ فكان جوابه المفاجئ: “الى جهنم”.
لبنان كان بلداً غنياً وأصبح بلداً فقيراً بفضل الحكم الفاشل.
نعم، لقد بات اللبنانيون في قعر جهنم بفضل ذاك العهد المشؤوم والذي كان فيه الصهر المعجزة “رئيس الظل” بل الحاكم الفعلي للبلد… فكم من حكومات تعطّلت، وكم من رؤساء حكومات اعتذروا عن عدم تشكيل حكوماتهم، لأنّ “العم” كان يرفض أي تشكيلة لا يكون الصهر فيها، أو فارضاً وزراءها بوضعهم تحت هيمنته.
لم يقتنع جبران باسيل حتى الآن انه صار على “الرفّ”، والأنكى من ذلك كله، ان الصهر “الطفل المدلّل” لا يزال حتى هذه اللحظة يظنّ ان “الكذب والخداع” اللذين استعملهما عمّه الجنرال بَطُل عملهما، وباتا لا محل لهما من الإعراب اليوم.
لقد تناسى باسيل أنّ عمّه حين كان رئيساً للحكومة العسكرية بعد تكليفه من قِبَل الرئيس أمين الجميّل قبيل انتهاء ولايته، كان عليه إتمام مهمة واحدة فقط لا غير، إجراء انتخابات رئاسية، لكنه تمسّك بالسلطة ورفض الخروج من قصر بعبدا إلاّ بعد هدير طائرة “السوخوي”، فهرب بالبيجاما تاركاً بناته الثلاث، والقصة صارت معروفة للجميع.
لقد جرّب لبنان عون وصهره المدلل، ويلّلي بيجرّب المجرّب بيكون عقلو مخرّب..
وهنا يحضرني قول مصري جاء على لسان أحد الممثلين المصريين الكبار: “السلطة زي عود الكبريت ما يولّعش غير مرّة واحدة”… وأعتذر لأنني لجأت الى التحريف في القول الذي أساسه: “شرف البنت زي…”.
أذكّر بأن عون سبق وبنى أمجاده بالتهجّم على سوريا وأراد تكسير رأس المرحوم حافظ الأسد، فكان أوّل عمل قام به بعد توليه الرئاسة الذهاب الى سوريا ليُقبّل يد ابن الرئيس حافظ الأسد “بشار”… وكان عون ينتقد المقاومة وسلاحها، فكان أوّل عمل قام به بعد التهجير أو النفي الى باريس نسيان كل ما قاله…
يا جماعة… تصوّروا معي ما فعله عون بأهله من الأشقاء المسيحيين، وحجم الدمار الذي خلفته حربا الإلغاء والتحرير في المنطقة الشرقية، وما زاد في الطين بلّة “حرب تكسير رأس حافظ الأسد”.
وأذكر الجنرال عون، بأنه كان من المفروض ان يوجّه شكراً جزيلاً للقائد السوري علي ديب الذي قاد الفرقة التي دخلت قصر بعبدا، ودخلت وزارة الدفاع، فأعاد بناته الثلاث وزوجته وحافظ عليهن.
أذكّر عون أيضاً بأنه مَن قصف بيروت من بعبدا خلال وجوده هناك.
وحين هرب عون الى باريس بعد لجوئه الى السفارة الفرنسية، سكن في قصر “هوت ميزون” الذي يملكه اللبناني رجل الاعمال جوزيف ابو ديوان، الذي قال لي “رحمه الله” إنّ الجنرال كان ضيفاً “ثقيل” الدم والتصرفات، جاء بدعوة مني لتمضية أسبوع، فظلّ أشهراً… وكان أولادي مستائين، لأنهم كانوا يمضون عطلتهم في البيت.
ولا ننسى ان اميل لحود وابنه ومعهما ميشال سماحة وجميل السيّد استخدموا القاضي عدنان عضوم لإزالة الدعاوى عن ميشال عون، وبخاصة قضية الأموال التي قبضها وحوّلها الى فرنسا حين كان البلد منقسماً بين «شرقية وغربية».. فكانت ضرائب المنطقة الشرقية بين يديه فاستولى عليها، في حين ذهبت ضرائب المنطقة الغربية في عهد حكومة الرئيس سليم الحص الى وزارة المالية. وهذه القصة كشفتها مجلة Camar، وكيف حوّل الأموال الى حساب السيدة حرمه.
أمس، وقف الصهر الفاشل يعد اللبنانيين بالمن والسلوى وإصلاح البلد ومنع السرقات وتعهّد بإخراج اللاجئين السوريين من البلد، وانتزاع سلاح حزب الله.
وهنا أقول: إنّ تجربة عون وباسيل مع الدكتور سمير جعجع ماثلة أمامنا، فحين وصل نكث بوعوده وخالف عهوده، وكان ذلك بعد “اتفاق معراب”.
وكذلك نكث بوعده وعهده للرئيس سعد الدين الحريري الذي وعده بأن يكون رئيساً لحكومة ما دام هو رئيس للبلاد، فماذا كانت النتيجة؟
أخذ كل ما يريد من جعجع ومن الحريري، لكنه لم يُعْطِ شيئاً، فكان عنوان عهده الفشل أولاً وأخيراً.
وأختم القول: لا تعد الناس، فلست صادقاً ولن تكون…
لقد كانت تجربتك فاشلة جداً، وبرّرت ذلك بالقول “ما خلّونا”.
فبالله عليك من هو الذي منعك من العمل “وما خلاّك”؟ أنت فاشل ومتسلّط، وهمّك الوحيد كان السلطة وجمع المال بأي ثمن.
*المقالات والآراء التي تنشر تعبّر عن رأي كاتبها*