خاص الهديل:
المشهد في المنطقة يدعو للحيرة والريبة بقدر ما فيه وضوح لجهة ما يحصل من متغيرات..
فخلال الأشهر الأخيرة انتقلت المنطقة من حالة اشتباكات داخلية إلى حالة مصالحات بالجملة.. فقد حصلت خلال هذه الفترة المصالحة الخليحية العربية المصرية مع قطر، ثم حدثت المصالحة المصرية التركية، ثم توج كل هذا الحراك من مسار المصالحات في الإقليم باتفاق بكين بين الرياض وطهران..
وقبل مسار المصالحات الاقليمي هذا، جرى في الآونة الأخيرة مسار حيوي من المصالحات البينية العربية؛ حيث زار الرئيس بشار الأسد الإمارات، وأعلنت تونس فتح سفارتها في دمشق، وحصلت مصالحة بين النظام السوري وحماس، وبعدها حصل لقاء في صنعاء بين وفد سعودي والحوثي، وكانت الجزائر أعلنت تأييدها لعودة العلاقات العربية مع سورية؛ وقد توجت هذه المصالحات العربية العربية باجتماع بين وزيري خارجية الرياض ودمشق..
إن مجمل هذه المسارات يلاحظ فيها نقطتي ارتكاز أو نقطتي ثقل؛ الأولى وزن السعودية النوعي في نقل المنطقة من مرحلة الاشتباك إلى مرحلة الاستقرار؛ والثاني الوزن النوعي لدور مصر في بناء الاستقرار.
وما يدعو لهذا الاستنتاج هو أمران اثنان برزا في الأشهر الأخيرة التي تشهد بها المنطقة التحولات الحيوسياسية والاستراتيجية الكبرى:
الأمر الأول يتصل بأن متانة بناء الاستقرار العربي في المنطقة، تقاس من خلال دور مصر فيه .. فيما الأمر الثاني يتصل بأن الثقل الاستراتيجي لعملية بناء الاستقرار في المنطقة؛ يقاس بوزن مشاركة السعودية فيه.
وتطبيقات هذه النظرية عن “وزن الدور النوعي المصري” وعن “وزن الثقل النوعي السعودي” في عملية بناء الاستقرار في المنطقة تجد تعبيراتها من خلال ما يلي:
ان المنطقة ما كان يمكن لها أن تنتقل من معادلة الاشتباك الدائري إلى معادلة تصفير المشاكل، والاستدارة الاستراتيجية نحو بناء الاستقرار، لولا اتفاق السعودية مع إيران من جهة ولولا اتفاق مصر مع تركيا من جهة ثانية.
..والاتفاق الأول الذي جرى في بكين كان له انعكاس على أصعب حرب تشهدها المنطقة، وهي حرب اليمن.. والاتفاق الثاني الذي جرى بين أنقره والقاهرة أعطى أملاً بمعالجة أصعب أزمتين تشهدهما المنطقة، وهما أزمة سورية وأزمة ليبيا.
وفي حين أن نتائج الاتفاق الأول (السعودي – الايراني) ظهرت على نحو سريع في اليمن، فإن نتائج الاتفاق الثاني (المصري- التركي) برزت ارهاصات له على سورية، وسبب تأخر ظهور المزيد من نتائجه السورية، يعود إلى أن الجميع في المنطقة هم في حالة انتظار للانتخابات التركية التي ستحسم مصير الأردوغانية.
وستظل أطر الاتصالات الإقليمية والدولية بشأن الأزمة السورية، ومنها إطار الأستانة، ناقصة حتى تصبح مصر طرفاً فاعلاً فيه، ذلك أن توازنات الصراع والسلم الراهنة داخل الأزمة السورية، تنقسم إلى شق إقليمي يوجد لمصر فيه ثقل عربي بمقابل الثقل التركي؛ وشق عربي يوجد للسعودية فيه ثقل في إعادة سورية للحضن العربي، وشق دولي توجد فيه موسكو والولايات المتحدة وإيران..
والواقع أنه ما كان يمكن لحركة الانفتاح العربي على سورية أن تصبح سريعة وذات ديناميكية فعالة، لو أن شعار الانفتاح العربي على سورية، ظل مصرياً فقط، دون أن تؤيده وتدعمه السعودية، كما فعلت في المرحلة الأخيرة؛ أو لو أنه – أي شعار الانفتاح العربي على سورية – كان قراراً سعودياً فقط، ولا تدعمه وتشارك به مصر..
ان عملية “بناء استقرار المنطقة” تستلزم حتى تكلل بالنجاح وعياً عربياً عميقاً بأهمية العلاقة بين الرياض والقاهرة من جهة؛ وبأهمية إعادة سورية من جهة ثانية، إلى مثلث هذه العلاقة العربية الاستراتيجية التي هي أساس “معادلة الأمن القومي الرسمي العربي” الذي دخل منذ العام ٢٠١١ في موت سريري..