خلال شهر يناير/كانون الثاني 2023، أعدمت إيران نائب وزير الدفاع الأسبق، علي رضا أكبري، على خلفية إدانته بالتجسس لصالح بريطانيا، وقالت إن المخابرات الإيرانية كشفت قيامه بالتجسس عندما زوّدته بمعلومات كاذبة، لكن بالنسبة للتقارير الغربية فإنه لم يكن مجرد جاسوس عادي لبريطانيا.
صحيفة “New York Times” الأمريكية سلّطت الضوء في تقرير نشرته الإثنين، 1 مايو/أيار 2023، على سيرة علي رضا أكبري، الذي كانت هويته مجهولة إلى أن تم الحكم بإعدامه في إيران، وذكرت وكالة “تسنيم” الإيرانية، أن القضاء اعتبر المسؤول السابق “جاسوساً رئيسياً” للمخابرات البريطانية.
كما أشارت الوكالة إلى أن أكبري “تجسس على تفاصيل المحادثات النووية السابقة بين إيران والقوى الغربية”. وشغل أكبري منصب نائب وزير الدفاع في عهد الرئيس محمد خاتمي، وكان يدفع من أجل تحسين العلاقات مع الغرب. ولم يظهر أكبري علناً منذ عام 2019، كما لم تنشر السلطات الإيرانية أي تفاصيل حول محاكمته، حسب المصدر ذاته.
معلومات “غير مسبوقة”
في أبريل/نيسان من العام 2008، سافر مسؤول استخباراتي بريطاني رفيع إلى تل أبيب، إضافة للعديد من العواصم الأوروبية، بهدف نقل معلومة غير عادية إلى نظرائه. وقال المسؤول البريطاني إن بريطانيا لديها جاسوس في إيران، يمكنه الوصول إلى الأسرار النووية والأمنية للبلاد.
ظلت هوية الجاسوس مجهولة لسنوات عديدة، لكن في بداية العام الحالي مع إعدام نائب وزير الدفاع السابق علي رضا أكبري شنقاً في إيران، والذي أدين بالتجسس، تم الكشف عما بقي سراً لمدة 15 عاماً، حيث كان أكبري هو الجاسوس البريطاني.
في مقال استقصائي شامل نشرته “نيويورك تايمز” شارك فيه الصحفي رونين بيرغمان، الصحفي في صحيفة “يديعوت أحرونوت” تم الكشف عن أن علي رضا أكبري كان مسؤولاً عن إيصال أهم معلومة جاءت من إيران، وهي وجود موقع تخصيب تحت الأرض في بوردو.
عاش أكبري على مر السنين حياة مزدوجة، كان معروفاً للجمهور الإيراني بأنه متعصب ديني وصقر سياسي وقائد كبير في الحرس الثوري ونائب وزير الدفاع، ثم انتقل لاحقاً إلى لندن والقطاع الخاص، لكنه لم يفقد ثقة القيادة في طهران.
لكن في عام 2004 وفقاً للمصادر بدأ في مشاركة أسرار إيران النووية مع جهاز استخبارات بريطانيا MI6.
قال مسؤولو استخبارات أوروبيون إن علي رضا أكبري قدم معلومات مهمة، واستمر في القيام بذلك لسنوات، وأثبتت المعلومات الاستخباراتية أنها حاسمة لتبديد الشكوك في الغرب، بأن إيران تسعى بالفعل للحصول على أسلحة نووية، المعلومات التي قدمها أكبري أقنعت العالم بفرض عقوبات شديدة على طهران.
اعتقال علي رضا أكبري
اعتُقل أكبري في عام 2019، بعد أن اكتشفت إيران بمساعدة المخابرات الروسية، أنه هو الشخص الذي كشف عن وجود برنامج نووي إيراني سري في أعماق الجبال بالقرب من طهران.
بالإضافة إلى كشف الأسرار النووية والأمنية زعمت إيران أن أكبري كشف عن هوية وأنشطة أكثر من 100 مسؤول رفيع، أهمهم محسن فهرزاده “أبو البرنامج النووي الإيراني”، الذي تمت تصفيته في عام 2020 في عملية منسوبة لإسرائيل.
لم تعترف بريطانيا علانيةً أبداً بأن أكبري، الذي أصبح مواطناً بريطانياً في عام 2012 ووصفته وسائل الإعلام الإيرانية بأنه “جاسوس مخضرم”، قد تجسّس لصالحها.
بينما قال متحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية “نحن لا نعلق على الأمور الاستخباراتية، فهذه سياستنا الدائمة”. ولم تردّ وزارة الخارجية الأمريكية ومجلس الأمن القومي الأمريكي على الأسئلة المطروحة حول هذا الموضوع.
في سبتمبر/أيلول 2019، ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن مصدر المعلومات الاستخباراتية حول موقع بيرديو النووي كان جاسوساً بريطانياً. وقد قامت بريطانيا بنقل تلك المعلومات إلى ألمانيا والولايات المتحدة وإسرائيل.
اعتراف بالتجسس لصالح بريطانيا
كان علي رضا أكبري مراهقاً وقت الثورة الإيرانية عام 1979، وقد التحق بالجيش وتركه بعد 6 سنوات، كما تقدم أكبري بسرعة في السلم القيادي، حتى تم تعيينه نائباً لوزير الدفاع، وعمل مستشاراً للمجلس الأعلى للأمن القومي، وكانت تربطه علاقات وثيقة مع اثنين من كبار الشخصيات في إيران، وهما العالم النووي فهرزاده، وعلي سمحاني وزير الدفاع السابق ورئيس مجلس الأمن الأعلى.
في ثمانية مقاطع فيديو قصيرة عُرضت على التلفزيون الحكومي بعد إعدامه، شوهد أكبري يصف عمليات التجسس التي قام بها، وكيف تم تجنيده من قِبل بريطانيا.
تظلّ الدوافع وراء أفعاله مجهولة، ولكنه قال في أحد مقاطع الفيديو إنه فعل ذلك بدافع “الجشع والسلطة”، وفي الوقت نفسه نفى أنه كان يعاني من صعوبات مالية. وفي مقاطع الفيديو قال أكبري إنه تم تجنيده عام 2004، وبعد مرور عام سافر إلى بريطانيا والتقى بمشغله في MI6.
في السنوات التي تلت ذلك افتتح علي رضا أكبري شركات في النمسا وإسبانيا وبريطانيا، لتكون بمثابة غطاء لاجتماعاته مع مشغّليه، وقالت إيران إن جهاز MI6 دفع لأكبري 2.4 مليون دولار.
تقاعد أكبري من مهامه الرسمية عام 2008، لكنه استمر في العمل كمستشار لسمحاني ومسؤولين آخرين. وقال شقيق أكبري إنه في العام نفسه اعتقل أكبري لمدة أربعة أشهر بتهمة التجسس لصالح بريطانيا، لكن العديد من كبار المسؤولين شهدوا لصالحه وأُفرج عنه بكفالة وأغلقت القضية.
آخر رحلة إلى إيران
وفقاً لمسؤول مخابرات ألماني كبير سابق، في أبريل/نيسان 2008، تلقت بريطانيا معلومات حول موقع بوردو، وهو موقع لتخصيب اليورانيوم تم بناؤه على سفح الجبل، وكان جزءاً من خطة إيران لتطوير مفاعل نووي.
أدى كشف بوردو إلى تغيير فهم العالم للبرنامج النووي الإيراني، وأدى إلى تطوير برامج عسكرية وإلكترونية للتعامل معه. وفي سبتمبر/أيلول 2009، كشف رئيس الولايات المتحدة آنذاك باراك أوباما، أن بوردو هو موقع تخصيب.
كانت وكالات الاستخبارات الغربية على علم به منذ فترة طويلة من خلال صور الأقمار الصناعية، التي تُظهر أعمال بناء تحت الأرض في بوردو، لكنها اعتقدت أنها كانت منشأة لتخزين المعدات العسكرية، ولم تكن تعلم أنها أصبحت موقعاً نووياً سرياً.
كان علي رضا أكبري يسافر بشكل متكرر بين طهران ولندن، وفي عام 2010 ادعى أنه أصيب بنوبة قلبية وظل يعيش في لندن، ومن ثم انضمت إليه زوجته وابنتاه، وحصل بعد ذلك على الجنسية.
خلال اعترافه قال أكبري إنه زيّف النوبة القلبية من أجل البقاء في بريطانيا، وبعد ذلك سافر ثلاث مرات على الأقل إلى إيران.
في عام 2019 سافر أكبري إلى إيران للمرة الأخيرة، وقد حدث ذلك بعد أن أبلغه رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي سمحاني بأن المجلس بحاجة إليه في قضية أمنية ونووية عاجلة، وبعد أيام قليلة من وصوله إلى طهران تم استدعاؤه من قِبل الاستخبارات، وتم إلقاء القبض عليه.
وفقاً لمسؤولين إيرانيين تحدثوا إلى “نيويورك تايمز”، كانت أجهزة المخابرات الروسية هي التي كشفت لإيران أن علي رضا أكبري جاسوس، وهو الذي كشف سر موقع بوردو للتخصيب