خاص الهديل
مر ١٢ عاماً على إخراج سورية من الجامعة العربية؛ وخلال هذه الفترة الزمنية الطويلة جرت مياه كثيرة في نهر الجامعة العربية، وأيضاً في نهر “القطر العربي السوري الشقيق”…
.. ويمكن القول أن سورية اليوم التي تعود بعد غياب ١٢ سنة إلى الجامعة العربية؛ هي غير سورية التي كانت ممثلة بالجامعة العربية قبل ١٢ سنة؛ كما أن الجامعة العربية اليوم ليست هي ذاتها الجامعة العربية التي كانت فيها سورية قبل إخراجها منها قبل ١٢ عاماً.. فالسنوات الـ١٢ الأخيرة شهدت تسونامي من الأحداث التي غيرت المنطقة كلها ونقلتها من حال إلى حال ومن توازن إلى آخر.. فالرئيس الأسد استطاع أن يعود إلى الجامعة والى مؤسسة القمم العربية؛ بينما معمر القذافي الليبي وحسني مبارك المصري وصدام حسين العراقي وعمر البشير السوداني وزين العابدين التونسي، غيبتهم عن الجامعة العربية وعن مؤسسة القمم العربية، أحداث الأعوام الـ١٢ الماضية، وحل مكانهم حالياً الفراغ أو شبه الفراغ في تمثيل دولهم بالجامعة وبالقمم العربية.
وخلال فترة أحداث الغياب السوري عن الجامعة وعن القمم العربية [٢٠١١ لغاية الامس القريب]، كان “الاخوان المسلمون” بقيادة الرئيس محمد مرسي هم قيادة الجامعة العربية وهم سادة القمم العربية وهم ممثلو ثقل مصر في القرار العربي.. وفي فترات أخرى تحولت الجامعة العربية إلى تمثال يرمز لشلل النظام العربي الرسمي، وذلك نتيجة غياب سورية وانشغال السعودية بحرب اليمن ودخول مصر عصر الاخوان المسلمين، ومن ثم مرحلة التعافي من الاخوان..
وعلى هذا يمكن القول أنه خلال غياب سورية عن الجامعة العربية وعن القمم العربية، لم يفتها شيئاً من ثمار هاتين المؤسستين العربيتين، لدرجة أنه يمكن القول اليوم، أن القرار الوحيد الذي كان له فعل تنفيذي على أرض الواقع الذي اتخذته الجامعة العربية خلال كل فترة غياب سورية، هو قرار إخراج سورية من الجامعة العربية عام ٢٠١١، ودعوة المعارضة السورية حينها إلى القاهرة للتفاهم معها حول المرحلة الجديدة؛ واليوم فإن القرار الوحيد الذي اتخذته الجامعة العربية عام ٢٠٢٣، وكان له فعل تنفيذي، هو قرارها بإعادة سورية إلى الجامعة العربية ودعوة مؤسسات الدولة السورية لاستعادة مشاركتها بعمل الجامعة وفعالياتها…
وبهذا المعنى فإن سورية لم تخسر كثيراً جراء إخراجها من الجامعة العربية؛ ذلك أن الأخيرة لم تفعل شيئاً يذكر خلال غياب سورية، للدول العربية التي ظلت مشاركة فيها.
..طبعاً هناك بُعد وجانب معنوي أساء لسورية نتيجة إخراجها من الجامعة العربية، ولكن أيضاً هناك جانب وبُعد سياسي أساء للجامعة العربية التي أقدمت على خطوة إخراج الدولة السورية من فنائها؛ خاصة وأنه اليوم وبعد ١٢ سنة تقول دول مهمة في الجامعة أن قرار إخراج سورية كان قراراً ليس فقط خاطئاً؛ بل كان قراراً يكرر للمرة الثانية خطأ قرار إخراج مصر من الجامعة العربية الذي اليوم لا تختلف دولتان عربيتان على أنه كان قراراً خاطئاً..
إن العبرة التي يجب أن تصل للجامعة العربية اليوم هي أنها ليست مؤسسة للعقاب العربي، بل هي مؤسسة “لفعل الحد الأدنى العربي”.. وأبو الغيط ذاته يعترف بأن الجامعة هي تجمع دول تستطيع أن ترفض قرارات بعضها البعض، وليست تجمعاً لدول ملزمة بالسير جنباً إلى جنب.. وعليه فإن الجامعة العربية يجب أن توحد الجهد العربي عندما تستطيع؛ وليس أن تصبح متراساً لمعاقبة العرب بعضهم ضد بعض عندما يريدون وعندما يختلفون، وذلك بغض النظر عن وجاهة رأي هذا الطرف العربي أو ذاك..
لقد مر النظام العربي الرسمي بتجربتين فاشلتين على هذا المستوى؛ الأولى عندما تم عزل مصر عربياً بعد توقيع السادات اتفاقية كمب ديفيد.. والثانية عزل الدولة السورية عربياً بعد اندلاع أحداث الثورة في سورية.. وبالنسبة لمصر كما بالنسبة لسورية تبين أن سلاح عزل الدول، وأيضاً استعمال سلاح إخراج دولة عربية أصيلة من الجامعة العربية، يخدم هدفاً واحداً لا غير، وهو إضعاف النظام الرسمي العربي.. والمتضرر من هذا الوضع هو “الحد الأدنى من التضامن العربي”..
وليس واضحاً اليوم ما هي “الحكمة العملية” وأيضاً ما هي “القدرة الفعلية” الكامنة وراء تشكيل الجامعة العربية لجنة من دول عربية، للتدخل بإسم العرب في عملية إنهاء الأزمة السورية!!..
والسؤال هو لماذا مطلوب “تعريب” حل الأزمة السورية، في وقت لم يتم فيه “تعريب” الحل لكل الأزمات الشبيهة بالأزمة السورية التي مرت على دول ما سمي بالربيع العربي!!.
.. بمعنى آخر لماذا تريد سورية أن تقبل بانتداب حل عربي على أزمة الربيع العربي التي ضربتها، بينما العرب اعتبروا أن الربيع العربي الذي ضرب دول أخرى كان مؤامرة خارجية تندرج في إطار “مخطط الفوضى الأميركية الخلاقة”.. وعليه فإن الحامعة العربية لا تستطيع أن تعتبر ما حدث في دولة عربية هو “مؤامرة فوضى خلاقة” وليس “ثورة ربيع عربي”، بينما تتعاطى مع سورية وكأنها خارجة من “مرحلة ثورة خلابة” وليس “مؤامرة فوضى خلاقة”..
..باختصار يحب إنهاء كل خطأ إخراج سورية من الجامعة العربية، وليس القيام بتصحيح جزء من الخطأ وإضافة ارتكابات من الأخطاء خلال معالجة الخطأ الأول.. وهنا يجدر تذكير الجامعة العربية بالتالي:
– الجامعة هي تجمع دول خالصة السيادة، وليست تجمعاً لدول تسير وتوجه دولاً أخرى.. وسورية ينطبق عليها كامل هذه المواصفات..
– العرب يدعمون الحل في سورية ولا يجب ان يكونوا بصدد “الانتداب على الحل السوري”.. فهذه الوصفة ليست موفقة، لأنها لن تجد طريقها الى التنفيذ، ليس فقط على مستوى الأزمة السورية، بل على مستوى أزمة تحدث في “دولة جزر القمر” العربية الشقيقة..