الهديل

خاص الهديل: نتنياهو يقترب من معادلة “أن لا خيار لديه سوى الحرب”..

خاص الهديل:

دخلت المنطقة أمس بعد إقدام إسرائيل على اغتيال قادة الجهاد الإسلامي الثلاثة، حالة من التوتر الشديد الذي أثار القلق من اندلاع حرب قد تتمدد بإتجاه أن تصبح إقليمية.

وأخطر ما سجلته حالة التوتر التي نشأت عقب جريمة اغتيال شهداء الجهاد الإسلامي الثلاثة، هي أنها أثارت على المستوى السياسي الاستنتاجات الأساسية التالية: 

الاستنتاج الأول يفيد بأن حكومة نتنياهو تشكل مصدراً لعدم الاستقرار ليس فقط داخل إسرائيل (جراء خطته للإصلاح القضائي)، بل أيضاً مع الفلسطينيين، وعلى مستوى المنطقة والإقليم، وحتى على مستوى علاقة إدارة بايدن بالكيان العبري.. 

.. وخلال الأشهر القليلة الماضية التي هي عمر حكومته الجديدة؛ دفع نتنياهو إسرائيل إلى شقاق وانقسام اجتماعي بنيوي داخلي غير مسبوق، جراء تبنيه مشروع تقليم أضافر النظام القضائي.. وضمن هذا المشهد اقترب المجتمع الإسرائيلي من لحظة الاقتتال الأهلي حسب تقدير غير شخصية إسرائيلية استخباراتية. 

..وعلى مستوى علاقته مع إدارة بايدن، تمر إسرائيل في عهد حكومة نتنياهو بأسوأ فترة من عدم الإنسجام مع البيت الأبيض. وكان سبب سوء العلاقة بدأ بين بايدن ونتنياهو بسبب وجود غفير في حكومة الأخير، ولكن الآن تحول الخلاف شخصي بين بيبي (لقب نتنياهو) وبايدن الذي يرفض اللقاء به.

الاستنتاج الثاني يفيد بأن شعور نتنياهو بالعزلة الخانقة تجعله في الوضعية التي تفيد بأن أفضل طريقة للدفاع هي الهجوم..

ومفاد القصة هنا هي أن نتنياهو يشعر في هذه الفترة بعزلة داخلية وحتى خارجية خانقة سببها معاداة بايدن له؛ أما داخلياً فإن نصف المجتمع الإسرائيلي يقف ضده، بسبب مشروعه الخاص بالإصلاح القضائي. وبالطبع فإن “اليسار” و”الوسط” و”يسار اليمين”، هم خصومه التقليديون… أما تيار اليمين الضخم الذي يعتمد عليه نتنياهو؛ فهو الآن منقسم بين جزء معه، و”وجزء آخر معه، ولكن بشروط”؛ وهؤلاء هم جماعة “أقصى اليمين” وقسم ثالث هو في طور التحول من اليمين الليكودي إلى اليمين الليبرالي. 

الاستنتاج الثالث – وهو الأخطر- يفيد بأن نتنياهو بفعل ظرفه الداخلي والأميركي والاقليمي والفلسطيني، بات يقف اليوم أمام معادلة تقول “أن الحرب تقترب منه على نحو أنها أصبحت خياراً لا بد منه بالنسبة إليه”؛ ولكن نتنياهو حتى هذه اللحظة لا يزال لديه فرصة كي يختار الجبهة التي يشن عليها حربه؛ بينما بعد مرور وقت ليس طويلاً؛ فإن نتنياهو سيكون أمام خيار الذهاب إلى حرب يقرر فيها أعداؤه موقع جبهتها أو جبهاتها.

ويبدو أن طبيعة هذه المعادلة ذات الزوايا الحادة التي يقف في داخلها نتنياهو، هي التي جعلته يقرر الهروب إلى الأمام، ويقدم على ارتكاب جريمة مروعة بحق قادة الجهاد الإسلامي الثلاثة، وعائلاتهم المدنيين. 

من ناحية عسكرية صرفة، يبدو مفهوماً للمراقبين أن ينفذ نتنياهو في أي توقيت، عملية اغتيال أمنية بحق القادة الفلسطينيين أو الضباط الإيرانيين أو نشطاء حزب الله. ويعود السبب لكون نتنياهو ذاته لا يخفي أنه ينتمي لمدرسة عسكرية تفضل العمليات الأمنية النقطوية النظيفة على شن حروب عسكرية كلاسيكية واسعة. وبنظر نتنياهو فإن الحرب الأمنية (تنفيذ عمليات اغتيال) أقل كلفة بشرية ومادية على إسرائيل؛ وردود الفعل السياسية عليها من الطرف الآخر والعالم، تظل محدودة، وذلك على عكس كلفة الحرب العسكرية العالية. 

ولكن يلاحظ أن نتنياهو من خلال عملية اغتيال الشهداء الثلاثة، وقع أو تقصّد أن يقع في تجاوزات للأطر التي كان حددها لنوعية عملياته الأمنية؛ فالعملية الأخيرة لم تكن بالمفهوم الأمني “عملية نظيفة ” كونها أدت إلى مقتل مدنيين وليس فقط عسكريين. أضف أن هذه العملية اعتمدت في تنفيذها على خطة تعتمد على “الخديعة الدبلوماسية” المستغربة سياسياً، وليس على “خديعة المفاجأة” المشروعة أمنياً.. 

ويبدو أن نتنياهو تقصد لأسباب لا تزال قيد التحقق منها، أن يوسط المصريين بهدنة مع القادة الثلاثة كي يذهبوا للقاهرة ويتفاوضوا على التهدئة، ولكن ما حصل هو أن نتنياهو إستغل هذه الهدنة، ووجه الطائرات لأن تقصف القادة الثلاثة بعد خروجهم من مخابئهم وزيارات عائلاتهم لوداعهم قبل سفرهم للقاهرة. 

..وما فعله نتنياهو عملياً، هو أنه حكم بالإعدام على دور القاهرة كوسيط دائم لتخفيف حدة التوتر في غزة؛ وبكلام آخر كوسيط دائم لعدم تحول التوتر بين فصائل غزة وإسرائيل إلى حرب قد تتسع لتصبح إقليمية. 

والسؤال اليوم ليس فقط عن طبيعة رد فعل الجهاد الإسلامي على قتل قادته الثلاثة ؟؟.. بل السؤال الأهم هو عن طبيعة رد حركة الجهاد ومعها كل فصائل غزة وبينها حماس على جريمة اغتيال القادة الثلاثة؟؟.. في المواجهة الأخيرة حيدت حماس نفسها عن الحرب التي دارت بين إسرائيل والجهاد؛ وحينها أعلنت إسرائيل أنها نجحت بشق الصف القتالي الفلسطيني في غزة؛ بينما سبب عدم مشاركة حماس بالقتال حينها هو اعتراضها على أن تقرر الجهاد لوحدها متى تقرر فتح النار من غزة على إسرائيل.. الآن يبدو أن حركة الجهاد وصلتها هذه الرسالة؛ وواضح أن التأخر في صياغة الرد على مقتل القادة الثلاثة، يعود لرغبة الجهاد بأخذ الوقت الكافي للاتفاق مع حماس وباقي فصائل غزة على نوعية وطبيعة الرد.  

وثمة معلومات تقول أن النقاش بين الجهاد الإسلامي وفصائل غزة، حول طبيعة الرد يشمل نقاش مع قوى حليفة تتواجد خارج فلسطين؛ والفكرة هنا مفادها أنه كلما اتسع نطاق القوى التي تشارك بنقاش طبيعة الرد على اغتيال القادة الثلاثة، كلما زاد ذلك من إمكانية ان تشارك كل الجهات في معركة الساحات الموحدة….

Exit mobile version