الهديل

خاص الهديل: “درع حماس وحزب الله” و”سهم نتنياهو”. و”معادلة هدوء مقابل هدوء” مع الجهاد!!.

خاص الهديل 

أقصى ما يمكن أن تحققه عملية درع وسهم التي نفذها نتنياهو ضد حركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة هي معادلة “هدوء في مقابل هدوء”.

واضح أن سقف الأهداف الإسرائيلية الذي كان يتم رسمها للحروب على غزة، قد تراجع، أو بكلام أدق تغير، وطرأ عليه تعديلات جوهرية طالت قواعد الاشتباك، وحتى تكتيكات المواجهة وأهدافها.. واللافت هنا أنه ليست إسرائيل وحدها هي من أدخلت هذه التغييرات والتعديلات؛ بل أيضاً حماس، وبنفس العمق، فعلت ذلك أيضاً..

التعديل أو التطور الأبرز الذي تنفذه تل أبيب على مستوى جهدها العسكري على الجبهة الجنوبية، يتمثل بتوجهها لإظهار أن هناك معركتين أو حربين على الجبهة الجنوبية: “حرب مع غزة” و”معركة مع حركة الجهاد الإسلامي”. 

..”مصطلح حرب” يتم استخدامه من قبل إسرائيل للدلالة على أن حماس تشارك بالقتال؛ فيما “مصطلح معركة” يتم استخدامه من قبل إسرائيل للدلالة على أن حماس لا تشارك في القتال، وأن الطرف الموجود بمقابل الجيش الإسرائيلي هو حركة الجهاد الإسلامي الحليفة للجمهورية الإسلامية في ايران التي تبنى وجوداً عسكرياً تابعاً لها في لبنان وفي سورية وفي العراق وفي غزة وفي الضفة الغربية وفي اليمن؛ الخ.. !!.

وزير الخارجية الإسرائيلي ايلي كوهين يقول ان إسرائيل ستحاسب مسؤولي حركة الجهاد الإسلامي الذين يقيمون في الخارج وليس فقط الموجودون في غزة والضفة والقدس. طبعاً يريد الوزير كوهين تأكيد أن القتال الدائر هو “معركة ضد الجهاد حليفة إيران في قطاع غزة”؛ وليست “حرباً ضد قطاع غزة”؛ بدليل أن حماس التي هي العنوان السياسي والعسكري لقطاع غزة لا تشارك في القتال.. 

ومن جهتها حركة حماس التي بنت “غرفة عمليات عسكرية مشتركة” تضم كافة فصائل مقاومة غزة، بما فيها حركة الجهاد الإسلامي؛ لا تعتبر نفسها “حليفة في قرار الحرب مع الجهاد”، بل هي حليفة معها في مشروع المقاومة.. بمعنى أن حماس لا تشارك في قتال ضد إسرائيل لم تتخذ هي قرار المبادرة إليه… كما أن حماس تحتفظ لنفسها ليس فقط بتوقيت متى تبدأ الحرب، بل أيضاً تحتفظ لنفسها بإدارة تطبيقات أية تسوية تجري على أرض غزة بعد انتهاء أية جولة قتال مع إسرائيل..

وخلال الحرب أو المعركة التي جرت على مدار الأيام الماضية في غزة، كان يمكن بسهولة ملاحظة أن بيانات الجيش الإسرائيلي خلت على غير عادتها من تحميل حركة حماس مسؤولية ما يحصل من قتال؛ ووجهت كل “التهم” لحركة الجهاد الإسلامي؛ وبالمقابل فإن حركة حماس لم تشارك في العمليات العسكرية؛ بل واكبت حركة الوساطة المصرية وذلك من زاوية انه إذا لم تستجب إسرائيل لوقف النار فحينها ستتخذ حماس قرارها بالمشاركة في المعركة مع الجهاد، لنبدأ حينها حرب غزة مع اسرائيل..

إن تكتيك حماس كما تمظهر في “معركة درع وسهم” الإسرائيلية، أوضح ثلاث نقاط أساسية: 

أولاً- أن حماس لا تذهب إلى حرب لا تضع هي توقيتها بنفسها؛ حتى لو كانت الجهة التي تخوض هذه الحرب هي حليفتها الجهاد الإسلامي في غزة، أو حزب الله في لبنان، الخ..  

ثانياً- أن حركة حماس بات لديها جبهات استنزاف مع إسرائيل، وعليه فإن إستراتيجية حربها مع العدو الإسرائيلي، مختلفة عن تلك الإستراتيجية التي تعتمدها ضد إسرائيل، حركة الجهاد أو أي فصيل فلسطيني آخر… فحماس باتت تعتبر نفسها كبرى الحركات الفلسطينية السياسية والعسكرية والوطنية على السواء؛ وباتت تملك إمكانات تجعلها في موقع من يخوض ليس فقط “حرب معادلة الردع مع اسرائيل”، بل أيضاً وبالتوازي “حرب معادلة استنزاف إسرائيل” على جبهات خارج غزة؛ كجبهة الضفة والقدس ومناطق ال ٤٨، وربما جبهات أخرى خفية وغير معلومة.

..وكل ما تقدم يجعل حماس تستطيع القول بالفم الملآن للجهاد أن لها توقيتاتها العسكرية المنسجمة مع منظومة إدارتها الواسعة للحرب ضد إسرائيل؛ وبالمقابل تستطيع حركة الجهاد أن تستفيد من هوامش لإثبات حضور عسكري مستقل عن حماس، وذلك في القتال مع اسرائيل؛ وهي هوامش عسكرية تركتها حماس التي انتقلت من حالة الاشتباك مع إسرائيل إلى حالة إدارة حرب بجبهات كثيرة وتكتيكات مختلفة مع إسرائيل.

ثالثاً- أن حركة حماس باتت فلسطينياً هي القوة العسكرية رقم واحد وباتت سياسياً هي المنافس الوحيد لحركة فتح وباتت إقليمياً هي التوأم لحزب الله في مشروع المحور ضد إسرائيل.  

ومن خلال مؤشرات ليست قليلة يمكن للمراقب أن يلحظ أن تل أبيب تتعاطى استراتيجياً مع حماس على كونها امتداداً يسعى للتكامل ميدانياً مع حزب الله؛ فيما تتعامل مع حزب الله على انه امتداد يسعى للتكامل استراتيجياً في مشروع مقاومة إسرائيل مع حماس.. وبمثلما أن تل أبيب تسعى لأكثر من هدوء مع حماس؛ ولما يشبه هدنة على أساس مصالح اقتصادية (معابر دخول عمال غزة الى إسرائيل)؛ فإنها أيضاً تسعى مع حزب الله لتثبيت قواعد اشتباك على أساس مصالح اقتصادية (الغاز في الجنوب)؛ فيما تسعى مع الجهاد فقط لتثبيت “معادلة هدوء مقابل هدوء”. 

يبقى القول أنه لا شك أن حماس تتقدم على حركة الجهاد مسافة بعيدة؛ سواء من حيث إمكاناتها العسكرية والمالية والشعبية؛ والأهم من ذلك أن حماس باتت أقرب لكونها محوراً داخل المقاومة الفلسطينية، وليس مجرد تنظيم كبير داخل المقاومة.. والمقصود هنا أن حماس بات لها أذرع عسكرية تقوم بتحريكها عن بعد؛ وبذلك باتت حماس تستطيع أن تخوض جولات قتال واشتباكات يومية مع إسرائيل في مناطق خارج غزة؛ ما يجنبها أن تدفع الكلفة الباهظة عسكرياً واجتماعياً ومالياً لجولات قتال من هذا النوع كانت تقوم بها سابقاً لإثبات حضورها العسكري، واليوم تقوم بها الجهاد لنفس الغاية.

Exit mobile version