الهديل

خاص الهديل: الإنتخابات التركية داخل “الحرب الأوروبية العالمية الثالثة”!!

خاص الهديل 

تعتبر الإنتخابات التركية هي الحدث الأهم هذا العام، والسبب يعود لموقع تركيا المهم حيال “الجيل الجديد من الأحداث” غير المسبوقة التي يشهدها العالم؛ وأبرزها حرب أوكرانيا التي هناك من يصفها بأنها “حرب أوروبا العالمية الثالثة”..

والواقع أنه بالنظر لكون أن تركيا تملك موقع جيوسياسي هام؛ وتملك دوراً مؤثراً في أوروبا، ولو من خارج إطار الاتحاد الأوروبي الرسمي، وكونها دولة ناتو؛ فإن كل هذه الميزات يجعل لها تأثير استراتيجي في تشكل الموقف الأوروبي من هذه الحرب، وذلك بعد فرنسا وألمانيا.. علماً أن هناك من يرى أن التوصيف الأدق هو الذي يقول أن أوروبا تقارب الحرب الأوكرانية بثلاثة أدوار كبرى تهتم بها إدارة بايدن: دور سياسي مهم لواشنطن تمثله باريس، ودور اقتصادي لا غنى لبايدن عنه موجود في بون، ودور متواز بين بوتين وبايدن تشد خيوطه أنقرة. 

لاشك أن أردوغان قاد حقبة التوازن التركي بين أميركا والشرق؛ وحالياً يكمل دوره هذا من خلال طرح نفسه كنقطة توازن تركية بين بوتين من جهة وبين بايدن من جهة ثانية في الحرب الأوكرانية التي تستعر نتائجها لتصبح الحرب العالمية الأوروبية الثالثة.. والواقع أنه بمجرد أن يطرح أردوغان معناه السياسي على أساس أنه عامل توازن بين قطبي العالم الروسي والأميركي؛ فإن هذا يعني أن أردوغان قرر منذ البداية أن يقدم لتركيا معنى استراتيجي عالمي وليس فقط إقليمي؛ وهذا يعني أيضاً أن أردوغان قرر من البداية أن يطرح نفسه “كزعيم تاريخي” لتركيا، وليس كرئيس ينافس فقط على السلطة داخل تركيا.

ولكن من ناحية ثانية ورغم أن تركيا مع زعامة أردوغان سيكون لها بالتأكيد معاني مختلفة عن تلك التي ستكون لها وهي في كنف زعامة أوغلو؛ إلا أن أي مراقبين لا يختلفان على أن تركيا سواء فاز أردوغان بانتخاباتها، أو فاز أوغلو، فإنها سيظل لها قائد واحد هو الذي يقودها على مستوى رسم دور تركيا وموقعها داخل الأحداث الإقليمية والعالمية؛ وهذا القائد هو “سيادة موقعها الجيوسياسي” الذي يحتم على تركيا سياسة تشدد بخصوص ملفات، وسياسة “تودد” بخصوص ملفات أخرى؛ واستراتيجيات “توازن أو انكفاء” بخصوص قضايا معينة. 

..ففي الموضوع السوري – مثلاً – يمكن القول أن أوغلو عن أردوغان اختلفا منذ البداية على نقطة أنه كان من الخطأ إدارة الظهر للنظام السوري؛ واليوم وصل أردوغان، ولو بعد ١١ سنة إلى هذه القناعة. وعدا ذلك فإن أوغلو كما أردوغان يرى أنه يجب على تركيا أن يكون لها حضور في شمال سورية حتى تفاوض عليه لنيل ضمانات بخصوص ملفات تدعي “أنقرة أردوغان” و”أنقرة أوغلو” أنها مصالح أمنية تركية عليا..

لقد جاءت الإنتخابات التركية لتؤكد على أن محاولة الانقلاب التي كانت جرت ضد أردوغان وما تلاها من ردود فعل عقابية داخل تركيا، لم تؤثر ولو بنوع بسيط على إيمان تركيا بالعملية الديموقراطية؛ وجاءت لتؤكد ان الانقلاب كان غيمة صيف عابرة؛ بينما الديموقراطية هي قيمة راسخة في تركيا وفي حياة الأتراك وفي نمط العلاقات السياسية التركية الداخلية..

والحق يقال أن نتائج الإنتخابات التركية التي قادت إلى عدم الحسم؛ والى الذهاب لجولة ثانية؛ كان لها أهمية في معناها لا يقل أهمية عن كثافة المشاركة في الإنتخابات التي لم يتخللها تجاوز أمني واحد، حسب هيئة الإنتخابات العليا. إن نتيجة عدم الحسم تقول أن الإنتخابات نزيهة بدليل أن الحكومة لن تحاول إعطاء أردوغان بعض العشر بالمئة من الأصوات كي يحقق فوزه.. ونتيجة عدم الحسم، والحاجة إلى جولة اقتراع ثانية، تقول أن تركيا تنتخب هويتها، وليس فقط رئيسها وأعضاء مجلسها النيابي..

 ..وما يحدث الآن هو أنه بعد نحو عقدين من حكم أردوغان الذي أدار ظهره خلالهما لأتاتورك العلماني وذي التوجهات الأوروبية؛ فإن الأتراك اليوم منقسمون أفقياً بين تيارين اثنين: أحدهما يريد الإستمرار في توجه أردوغان الإسلامي والمستقل؛ والثاني هو تيار العودة إلى مدرسة أتاتورك!!.

والواقع أن موضوع الهوية في تركيا هو أمر له أهمية مضافة عن أهمية موضوع الهوية في البلدان الأخرى؛ ذلك أن تركيا بلد مفارق الخيارات بين التاريخ الإسلامي والبيزنطي الأوروبي؛ وهي أيضاً بلد الخلافة العثمانية الكبرى وبلد الجمهورية الأتاتوركية العلمانية العظمى.. وهكذا تظهر عناوين تركيا الأساسية، انها بلد يحتاج في كل فترة لانتقاء نموذج من تاريخه ليستظل بقيادته؛ وتكمن صعوبة الانتقاء في أن كل واحد من هذه النماذج له شأنه الكبير، وله أيضاً سماته المغايرة للنموذج الآخر..

Exit mobile version