الهديل

خاص الهديل: “جدة” و”شيان” و”هيروشيما”: ثلاث مدن ترسم النظام العالمي الجديد..

خاص الهديل:

بدا العالم أمس وكأنه لأول مرة بعد الحرب الثانية، يقوم بإعادة صياغة نظامه العالمي، وذلك انطلاقاً من ثلاثة أحداث كبيرة ما عاد يمكن تجاهل تأثيراتها المستجدة على موازين القوى العالمية: 

الحدث الأول هو تموضع الدول الصناعية السبع (G7) بمواجهة الصين.. 

الحدث الثاني هو خروج الصين لمنازلة محاولات حصار طموحها الاقتصادي. 

أما الحدث الثالث فهو إعادة صياغة “مفهوم الإقليمية”، انطلاقاً من التأثيرات التي فرضتها الحرب الأوكرانية على دول العالم وبخاصة الدول العربية وبصحة أوسع دول الشرق الأوسط..

وهذه الأحداث الثلاثة ظهر أمس أنها هي التي ترسم محددات الصراع داخل النظام العالمي الجديد.. وظهر أمس أيضاً أن كل واحدة من هذه القمم الثلاث تتبنى تموضعاً يستجيب لإحدى الأحداث الثلاث: فالقمة الصينية مع دول آسيا الوسطى عقدت أمس في مدينة شيان؛ وذلك للدلالة على المعنى المراد إظهاره من هذه القمة.. فشيان هي المدينة التي ينطلق منها طريق الحرير التجاري الصيني العظيم باتجاه دول آسيا الوسطى، وحيثما يصل هذا الطريق هناك يتحول إلى “رأس محطة” تتوثب للانطلاق منها نحو أوروبا؛ أضف أن دول آسيا الوسطى التي حضرت قمة شيان الصينية، هي “دول الاتحاد السوفياتي القديم”، وأصبحت اليوم “دول طريق الحرير الصيني الجديد”. 

أما قمة الدول الصناعية السبع (G7) عقدت أمس بزعامة واشنطن في مدينة هيروشيما اليابانية؛ ومجرد حضور زعماء أكبر سبع دول صناعية في العالم إلى هيروشيما؛ فإن هذا يراد منه أن يذكر العالم بانتصار الولايات المتحدة الأميركية بجائزة الحصول على ثمار نتائج هزيمة هتلر وحلفائه في الحرب العالمية الثانية؛ ذلك أن هناك منتصرين اثنين في الحرب الكونية الثانية: من ناحية الاتحاد السوفياتي الذي هزم هتلر في حرب استنزافه في ستيلنغراد؛ والثانية أميركا التي زرعت علم تفوقها النووي والعلمي على كل العالم، فوق حطام هيروشيما..

وحالياً يرسل بايدن من موقعه في قيادة حلف الدول الصناعية الأكبر السبع، رسالة للصين من هيروشيما تقول أن تحالف الليبرالية الصناعية بزعامة واشنطن الذي انتصر تفوقها النووي والعلمي في الحرب الكونية الثانية، لا يزال قادراً على تكرار مشهد النصر عينه مع بكين وموسكو، كما سبق وفعل مع بون وطوكيو. 

أما قمة العرب في مدينة جدة السعودية فهي تعبّر عن ولادة ما يسمى بنظام الإقليمية داخل النظام الدولي الجديد المتشكل عالمياً.. وبهذا المعنى فإن جدة تقود العرب اليوم وفق مبادئ سياسات عربية بينية وخارحية جديدة، أبرز نقاطها هي التالية: 

– وقف التبعية للدول الكبرى في صراعاتها الكونية.

– مصالح المنطقة العربية والإقليمية تؤمنها سياسات دول المنطقة غير المرتهنة للقوى الكبرى، وليس التحالفات مع محاور الدول الكبرى..

والواقع أن الظرف الدولي المستجد الذي أدى إلى عقد هذه القمم الثلاث في توقيت واحد، ولكن باتجاهات ثلاث مغايرة، إنما يقول أمراً استراتيجياً أساسياً، مفاده أن هذه التكتلات العالمية الثلاث التي بيدها الطاقة والصناعة ومستقبل النمو التجاري العالمي الكبير انطلاقاً من آسيا الوسطى، هي الآن أمام خيارين اثنين لا ثالث لهما، وهما إما أن تتلاقى هذه القمم الثلاث على عدم تجاوز أية قمة منها لمصالح دول لقمم الأخرى، وبذلك تبدأ مرحلة التوازن الجديد لمصالح العالم الجديدة؛ وإما أن تقرر القمم الثلاث تجاوز مصالح دول بعضها البعض؛ وهذا يؤسس لانزلاق العالم السريع إما نحو بدء حرب باردة تستنزف اقتصاد العالم المرهق أساساً؛ أو نحو تسريع وتيرة حصول انفجار الحرب الكونية الثالثة.. 

والواقع أن الحكمة تقتضي أن تقوم كل واحدة من هذه القمم برسم حدود مصالح دولها على نحو لا يتحدى حدود مصالح دول القمم الأخرى الثلاث، وبذلك يصبح ممكناً إدارة الاختلاف الدولي على نحو سلمي..

..وضمن هذا التوجه لجعل يوم القمم الثلاث مناسبة لبدء مرحلة تفاعل دولية جديدة، فإنه يجدر النظر باقتراح من نوع أن يبادر الأمين العام للأمم المتحدة إلى نصب طاولة حوار دولي جديد يجلس حولها ثلاث رجال: الرئيس الصيني كممثل للنمو العالمي الاقتصادي الجديد الصاعد؛ والرئيس الأميركي بايدن كممثل للدول الصناعية التي حصلت على جائزة الاقتصاد الكبرى بعد الحرب العالمية الثانية؛ وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان كممثل عن تحالف الإقليمية الجديدة في الشرق الأوسط التي تحمي مصالحها بسياساتها المستقلة، وليس بارتهانها لمحوار الدول الكبرى..

Exit mobile version