خاص الهديل:
دعا بيان جدة الأطراف اللبنانية للحوار من أجل انتخاب رئيس جمهورية، ودعا إلى ضرورة إجراء الإصلاحات..
..بمعنى آخر، فإن القمة العربية لم تطرح مبادرة عربية من أجل لبنان، بل اكتفت بمناشدة اللبنانيين ليقوموا بتحقيق الأمور ذاتها التي طلب العرب فرادى من اللبنانيين طوال السنوات الثلاث الماضية القيام بها.
.. وعليه؛ فإن السؤال اليوم هو ماذا يمكن للبنانيين أن يتوقعوا أن يفعل العرب للبنان بعد قمة جدة، غير الذي قالوه للبنان قبل القمة، وقبل اتفاق الصين بين طهران والرياض، وقبل المصالحة السعودية السورية.
مشكلة لبنان صارت مشكلة لبنانية منذ العام ٢٠١٩. ولم تعد لا مشكلة عربية ولا مشكلة دولية ولا حتى مشكلة إقليمية.. وهذه المعادلة لا يريد اللبنانيون أن يفهموها أو أن يصدقوها أو أن يتعاملوا مع نتائجها.
ولكن صار مطلوباً أن يتنبه لبنان إلى الأمور التالية، حتى يخرج سياسيوه من أوهام أن الحل خارجي، وأن عليهم انتظار تارة بعد اتفاق إيران- السعودية وتارة بعد اتفاق السين – سين، وتارة بعد القمة العربية، وربما غداً بعد قمة المناخ.. غير أن الحل في لبنان كما أكد إعلان جدة هو لبناني داخلي وإنقاذ الاقتصاد لن يأتي من جيوب الدول العربية الغنية، بل من الإصلاحات التي من دونها سيبقى لبنان في ظلمته.
الأمر الذي يتوجب على لبنان التنبه له هو أن العالم تغير، والعرب أيضاً تغيروا وأصبحوا ينظرون للعلاقات من منظار جديد. فزمن الهبات انتهى وزمن المساعدات المجانية ولّى.. والمطلوب أن يعتمد لبنان على ثراوته وهو الأمر الذي يستوجب إصلاح إداراته ووقف الهدر وابعاد الفساد عن إدارات القطاعات الإنتاجية.
الأمر الثاني الذي يجب أن يتنبه له لبنان، هو أنه لا إنقاذ للبنان من دون محاسبة.. وهذه المعادلة ستظل قائمة حتى لو بدا أن سياسات الإقليم والسياسات العالمية لا تركز في هذه المرحلة على ضرورة فتح دفاتر الفاسدين في لبنان، ومحاسبتهم ضمن خطة إعادة البناء في لبنان.
..وحالياً هناك نظريتان، الأولى تقول أنه يجب انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة حتى يمكن القول أنه أصبح لدى المجتمع الدولي بنية حكم صلبة في لبنان يمكن الوقوف عليها لبدء مرحلة فتح ملف الفاسدين بالتعاون بين القضاء العالمي والقضاء اللبناني.
أما النظرية الثانية فهي تدعو لفتح ملف المحاسبة قبل فتح ملف انتخاب رئيس للجمهورية.. وأصحاب هذه النظرية يقولون أنه يمكن ولوج هذا الخيار عبر التهديد بعقوبات ضد معرقلي انتخاب فخامة الرئيس العتيد؛ ومن هذه النافذة تكر سبحة محاسبة الفاسدين..
وخلاصة القول أن لبنان بعد قمة جدة يجب عليه استيعاب رسالة الواقع العربي الجديد له؛ وهي أن عليه أن يثبت (أي لبنان) أنه دولة، وأنه قادر على مواجهة التحديات التي تؤدي إلى تعاظم أزمته.. وأسوأ شيئ يمكن أن يفعله لبنان بعد القمة العربية، هو أن يعود إلى نغمة انتظار استحقاق إقليمي جديد حتى يأتي الحل من لدنه..
رسالة قمة جدة للبنان هي أنه لا حلول للأزمات من خارج البلد منشئها، والدور العربي هو حماية الحل فيما لو نجحت الإرادة الوطنية في انتاجه؛ وليس إنتاج الحل خارجياً، وتصديره إلى الداخل..