خاص الهديل:
يوم الأحد الماضي نفذ حزب الله مناورة عسكرية مهّد لها بحملة إعلامية واسعة، عكست مدى اهتمامه بتظهير الرسائل السياسية والعسكرية التي يريد الحزب تطييرها للداخل والخارج من خلال هذه المناورة..
..تقنياً؛ هناك أكثر من توقيت يمكن من خلاله قراءة المعنى السياسي من وراء تقصد إجراء المناورة يوم ٢١ أيار ٢٠٢٣. بداية هناك ذكرى التحرير الذي حصل في مثل هذه الأيام قبل ٢٣ عاماً. وهناك توقيتات سياسية راهنة وسابقة ومباشرة وغير مباشرة، وجميعها يمكن ربطها بحدث توقيت مناورة حزب الله العسكرية؛ منها قمة جدة العربية، وأيضاً اتفاق الصين بين إيران حليف حزب الله الإستراتيجي وبين السعودية؛ ومنها أيضاً تغيرات مرتقبة بدأت تشهدها سوريا التي قاتل الحزب فيها؛ وفي اليمن التي كان للحزب مشاركة استشارية عسكرية في حربها..
وبعيداً عن الرسائل العسكرية للمناورة؛ فإن البعض يعتبر أن أهم رسالة أطلقتها المناورة كانت سياسية، وطرحت سؤالاً على الدول والجهات المعنية مفاده: كيف يمكن في زمن التسويات الكبرى التعاطي سياسياً مع حزب الله الذي يملك قوة عسكرية؟؟..
إن إحدى الجهات الموجهة إليها هذه الرسالة والموجه إليها هذا السؤال؛ أو التي يحب أن تعتبر أن هذا السؤال موجهاً إليها؛ هي المملكة العربية السعودية..
والواقع أن البعض ربط بين توقيت تصريح السفير السعودي وليد البخاري وبين فكرة أن الرياض شاهدت مناورة حزب الله هذه المرة من منظار سياسي وليس من منظار أمني ولا نقول عسكري؛ ولذلك قال البخاري بعد المناورة قال أنه ليس للسعودية خصومه مع شيعة لبنان العرب..
إن مناورة حزب الله كما فسرها البعض، جاءت في معناها السياسي لتقول أن حروب الحزب الإقليمية انتهت؛ ويبقى حروب الحزب مع العدو الإسرائيلي؛ ويمكن الدلالة على هذا المعنى من خلال أمرين اثنين: الأول أن الحزب أجرى المناورة في الجنوب؛ قريباً جداً من الحدود مع فلسطين المحتلة وليس في الضاحية الجنوبية أو في البقاع.. والأمر الثاني هو أن خطيب الحزب في المناورة كان السيد هاشم صفي الدين رجل الحزب الثاني بعد نصر الله، وهو له صفة لبنانية داخل معادلة إدارة الحزب، فيما نصر الله له صفة إقليمية بالإضافة لصفته اللبنانية.
.. وإذا صح هذا التحليل، فهذا يعني أن مناورة الحزب تقصدت إظهار أن مرحلة القوة العسكرية الإقليمية انتهت، والحزب الآن متفرغ بكليته للمقاومة من داخل لبنان ضد إسرائيل…
ويبدو من منظار بعض المراقبين أن اللحظة المشبعة بهذه المعاني، تبدو مثالية لأن يتم الآن فتح قناة حوار بين شيعة لبنان الذين وصفهم البخاري بأنهم ليسوا خصوماً للمملكة، وبين المملكة التي طالما وصفها نبيه بري زعيم الشيعة داخل النظام اللبناني، بأن شيعة لبنان لا يريدون قطع شعرة العلاقة مع السعودية..
ويتم في هذه الآونة طرح الكثير الكثير من المعطيات والمعلومات والنظريات التي تقول أن حزب الله بعد اتفاق الصين بين إيران والسعودية، لم يعد إقليمياً كما كان قبله؛ كما أن بعد اتفاقها مع إيران لم تعد السعودية لها نفس النظرة لحزب الله.. غير أن البعض يرى أن الرياض ربما تفضل بأن تدرس كل قضايا المنطقة، وبضمنها قضية حزب الله في لبنان؛ مع إيران، وليس مع حارة حريك.. لذا فإن بريد الرياض قد يكون مقفلاً بوجه رسائل حارة حريك، ولكنه لن يكون مقفلاً بوجه رسائل طهران بشأن لبنان، أو – وهذا هو الأهم – بوجه نبيه بري إذا أراد نيابة عن حارة حريك وطهران، أن يفتح حواراً لبنانياً مع الرياض..
والواقع أنه لم يعد هناك أي مانع لا سورياً ولا إيرانياً ولا من قبل حارة حريك، بأن يزور الرئيس نبيه بري السعودية، وأن يلتقي بالأمير محمد بن سلمان، وأن يفاوض معه بإسم موقعه الرسمي اللبناني، وأيضاً بإسم الشيعة اللبنانيين ككل الذين بينهم حزب الله حليف طهران التي باتت اليوم “صديقة السعودية” وعلى “تفاهم استراتيجي” مع ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان بخصوص نظرتهما لاستقرار الإقليم.
والحق يقال أنه طوال أزمات حزب الله وإيران مع السعودية، حافظ الرئيس نبيه بري على “هامش ود”، بل على “هوامش ود” مع الرياض.. وبالمقابل حافظت السعودية على هوامش ود مع “أبو مصطفى” فيما “أبو هادي” (نصر الله) تفهّم دائماً وجهة نظر بري التي كانت ولا زالت تقول “أن على شيعة لبنان أن يحافظوا في كل الظروف على خط رجعة مع السعودية”؛ زد على ذلك أن حارة حريك مقتنعة بأن الاختلاف مع السعودية يجب ألا يتحول إلى خلاف دائم، ومقتنعة بالتالي أن شعرة معاوية كما نجح بري في الحفاظ عليها مع الرياض، يجب أن يكون معناها موجوداً في إستراتيجية علاقة حارة حريك مع الرياض، بدل معنى رفع الأسوار بينهما..
وقصارى القول هنا أن لقاءاً بين الأمير محمد بن سلمان والرئيس بري قادر على أن ينتج حلاً لجانب مهم من الأزمة اللبنانية يؤدي إلى وضع البلد على خارطة وسكة الحل؛ بينما قد لا يؤدي لقاء مماثل بين باريس والرياض أو بين عدة الدول إلى إنتاج حل لأزمة لبنان، بل قد يؤدي إلى تعقيد الحل..
بكلام آخر: ان بري لديه كلمة سر الحل اللبناني؛ فيما الأمير محمد بن سلمان لديه كلمة سر الحل العربي.