خاص الهديل:
تعتزم إسرائيل تنفيذ مناورة عسكرية الأسبوع المقبل على الجبهة الشمالية مع لبنان تستمر أسبوعين..
توقيت المناورة يوحي أنها تأتي كرد من قبل الجيش الإسرائيلي على المناورة التي نفذها حزب الله يوم الأحد الماضي بالقرب من الحدود مع فلسطين المحتلة.
وقد مهد المستويان السياسي والأمني في تل أبيب للبدء بهذه المناورة بجملة من التصريحات التصعيدية التي ركزت بشكل خاص ومكثف على إيصال عدة رسائل سياسية وعسكرية إسرائيلية ارتكزت على تعميم الأفكار التالية:
الرسالة الأولى صدرت عن أعلى مستوى أمني وسياسي إسرائيلي؛ وهو المستوى الذي بيده أخذ قرار الحرب. والمقصود هنا الكابينيت الذي قال الإعلام العبري أنه سيلتئم خلال الساعات القادمة؛ أي عشية بدء المناورة العسكرية الإسرائيلية لبحث آخر التطورات على الساحة الشمالية.
والواقع أن توجه تل أبيب لتنفيذ مناورة على الجبهة الشمالية تستمر أسبوعين، هو قرار أكثر من عادي، وذلك لجهة أن مدة هذه المناورة استثنائي، قياساً بالمدد الزمنية التي تستغرقها المناورات السابقة التي بمعظمها لا تستمر أكثر من ٣ إلى ٥ أيام.
..أضف لذلك أن قرار المناورة لا يتم اتخاذه هذه المرة من قبل رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي، بل توحي إسرائيل بأن الجهة التي أعطت القرار بالمناورة وبمواكبتها، هي “الكابينيت” (أي مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر المخول بأخذ قرار بدء الحرب).
..وإلى ذلك، يلاحظ أيضاً أن المناورة تجري في ظل حديث إسرائيلي “خطر” يقول “أن تل أبيب تستعد لتصعيد مفاجئ مع حزب الله”!!..
وهناك في بيروت توقف عند هذا التصريح الإسرائيلي؛ حيث البعض يرى فيه مجرد تهويل على لبنان، وحتى على كل حركة انفتاح العرب على سورية؛ كون المناورة لا تستهدف فقط حزب الله ولبنان بل سورية أيضاً؛ ولكن البعض الآخر يرى بكلام تل أبيب الذي يتوقع تصعيداً مفاجئاً مع حزب الله بأنه كلام خطر، خاصة إذا ما تم ربطه بالتحذيرات الإسرائيلية الأخيرة الصادرة عن رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي ونتنياهو التي قالت إن طهران تقترب من التخصيب، وأن إسرائيل تراقب عن كثب ما يحدث على هذا الصعيد في إيران، وأن حزب الله يستعد “لتوسيع قواعد اللعبة مع إسرائيل في الشمال”!!.
والواقع أن كل هذا الكلام الإسرائيلي الوارد أعلاه، يشكل فيما لو تم جمعه ضمن ظرف التصريح به، الجملة السياسية الإسرائيلية المفيدة التالية: “إسرائيل تتأهب لحدوث تصعيد مفاجئ مع حزب الله؛ والسبب هو أن الحزب يتجه لتوسيع قواعد اللعبة مع إسرائيل في الشمال؛ وذلك ارتباطاً بالموضوع الأخطر الذي يشكل خطاً أحمر لتل أبيب، وهو اقتراب طهران من التخصيب الكامل”!!؟.
الرسالة الثانية التي تريد تل أبيب إطلاقها من المناورة العسكرية المرتقبة الأسبوع المقبل، والمترافقة مع تصريحات عسكرية إسرائيلية تصعيدية، تكمن خلفياتها بالأسباب الداخلية لنتنياهو الذي يجد نفسه بعد الإنتهاء من تمرير الموازنة الجديدة في الكنيست، مضطراً لأن يعود لاستئناف معركة التعديلات القضائية مع المعارضة الاسرائيلية الواسعة، الأمر الذي جعل الشارع المعارض لهذه التعديلات يهب من جديد بوجه نتنياهو.. وعليه فإن الأخير يريد القول للإسرائيليين أن الظرف الراهن هو ظرف احتمال اندلاع حرب مفاجئة مع حزب الله، وذلك على خلفية أن إيران قررت الوصول إلى نقطة الحسم في الحصول على تخصيب نووي عسكري.
وبحسب مراقبين، فإن ذهاب نتنياهو لخيار أن يستعمل التهديد بالحرب، كورقة ضغط لتجاوز أزمته الداخلية الحادة، يعتبر تطوراً خطراً للغاية، لأنه قد يغذي مسار الانزلاق غير المقصود إلى حرب إقليمية تبدأ من لبنان..
ولا شك أن حزب الله من جهته سيقابل المناورة الإسرائيلية التي سيتم إجراؤها تحت عنوان “أنها تحاكي شن حرب اسرائيلية على لبنان”، بإستنفار شامل ورفيع المستوى، وذلك خشية أن تنتهز إسرائيل واقع أن جيشها في حالة استنفار تحت غطاء أنه ينفذ مناورة، وتقوم بتطوير هذه المناورة لتصبح حرباً حقيقية ضد لبنان وحزب الله.
قصارى القول أن الأسبوع المقبل ولغاية النصف الأول من الشهر المقبل، سيكون الوضع على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة، محل مراقبة مكثفة من ثلاثة أطراف:
أميركا التي لا تريد حرباً خارج الحرب في أوكرانيا ضد بوتين.. ولذلك فهي ستكبح أية إشارة عملية من قبل نتنياهو توحي بأنه يريد البدء بحرب من الشمال.
..فيما نتنياهو سيحاول بالمقابل إيصال احتمال الحرب إلى حافة اندلاعها، عله بهذه الطريقة ينجح بابتزاز خصمه الأميركي بايدن..
الطرف الثاني هو محور طهران الذي لديه هذه المرة الكثير من التوجس حول إمكانية أن تل أبيب وحتى واشنطن، تريدان الرد على تطورات المنطقة الأخيرة غير المريحة للبيت الأبيض.
الطرف الثالث هو دول المنطقة الذاهبة لتصفيير المشاكل، فيما تخشى هذه الدول أن تكون “حكومة أقصى اليمين” في إسرائيل ذاهبة إلى تصعيد المشاكل في المنطقة، اعتراضاً على مصالحات العرب مع إيران ومع الأسد…