خاص الهديل:
“ولي العهد الاشتراكي”: تيمور وليد كمال بك جنبلاط..
قرار وليد جنبلاط بالتنحي عن رئاسة الحزب التقدمي الاشتراكي، يشبه من حيث الشكل، “فرمانات” ملوك الأزمنة الغابرة الذين كانوا يورثون الملك لأبنائهم على حياة أعينهم، خشية أن تحاك الدسائس من قلب العائلة داخل البلاط !!..
والواقع أنه بالشكل وبالمضمون تبدو مفهومة خلفيات قرار “أبو تيمور” ترك منصب رئاسة الحزب التقدمي الاشتراكي لنجله تيمور وليد جنبلاط. فوليد بك الذي ورث زعامة المختارة في ظرف كارثي، عن والده الشهيد كمال جنبلاط، يريد أن يورث نجله زعامة المختارة في ظرف مستقر وسلس وهادئ قدر الإمكان..
..ولكن هناك من يرى أن هذا الهدوء الكبير الذي تجري به عملية توريث تيمور، لا تخدم الأخير في مشروع والده لتمكين زعامته، وجعلها راسخة، وجعلها أيضاً – وهذا هو المهم – تبدأ من نقطة انطلاق قوية يثبت فيها البك الشاب أنه يستحق “زعامة مملكة المختارة”.. فوراثة زعامة المختارة تتم “على الحامي” كما يقولون في لبنان؛ فوليد ورث عن والده زعامة المختارة في خضم إطلاق نار المدافع والرصاص؛ وقاد طائفته في حروب كثيرة حتى استحق لقب “زعيم” و”بك”، وليس مجرد “ابن الزعيم” أو فقط “ابن البك”.
.. حتى الآن لا يزال تيمور هو ابن الزعيم وليد جنبلاط؛ وحفيد المعلم كمال بك جنبلاط؛ وحتى يصبح تيمور هو ذاته داخل معنى زعامة المختارة، سيكون عليه إثبات أنه يستحق هذه الزعامة؛ أي أن عليه أن يتم تنصيبه “ع الحامي”… وهذا يعني أن على والده وليد بك، تحضير “مسرح معركة سياسية”، أو “فتح شجار صاخب” بين المختارة وطرف آخر؛ على أن يتم إعطاء قيادة إدارة هذا “الشجار” أو “المعركة” لتيمور بك..
تختلف زعامة المختارة عن زعامة البيتوتات التي تشكل مرجعيات سياسية وحزبية عند الطوائف الأخرى؛ فالمختارة هي توريث لإدارة الصراع والانسجام داخل طائفة الموحدين الدورز، وليس فقط هي إدارة الصراع والانسجام مع الآخر غير الدرزي المحلي والإقليمي..
وفي حين أن الزعامات المارونية تلغي بعضها البعض، وتنصب الكمائن المتبادلة عند المفارق المحلية والخارجية؛ فإن الشيعة أخذتهم معادلتهم الإقليمية كي يعيشوا حالة انسجام فوق صفيح الظروف الساخنة التي تحيط بهم.. أما السّنة فهم مراحل سياسية وأدوار لزعامات متعاقبة؛ وفقط المختارة هي حالة من الصفيح البارد داخلياً، وهي “دور واحد لأجيال متعددة من الأحداث والتقلبات”.
وهذه السمة للمختارة التي تمتاز بالثبات، هي التي جعلت الرئيس حسين الحسيني يصفها (أي المختارة) بأنها “آخر إقطاعية في لبنان”، وهي التي جعلت أحمد الأسعد يصف كمال جنبلاط “بالمنام” – أي الحلم – غير القابل للتفسير من قبل نظرائه السياسيين اللبنانيين.
إن أخطر ما في عملية توريث تيمور جنبلاط، هي أنها تتم في زمن تحصل فيه معجزات سياسية على مستوى الإقليم والعالم؛ ومثل هذه السمة من التحولات الدراماتيكية تشعر الملوك حتى لو كانوا اشتراكيين على شاكلة آل جنبلاط، بأن الثبات الذي يحتاجونه لاستمرار تداول الحكم داخل الأسرة الواحدة، يهتز أو ينوء تحت ثقل رياح مثقلة بالسحب.. ولكن ما يجعل تيمور ينام بجفنين مرتاحين، هو أن عيني أبو تيمور لا تنام وهي ترصد حمولات سياسية قادمة من الموانئ البعيدة، وهي ذاتها الحمولات التي اختبرتها المختارة التي عاشت مراحل لبنان الصغير فالكبير وحالياً تعيش مرحلة لبنان الذاهب إلى صيغته المقبلة..