في عيد ميلاده المئة، ما زال وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر يلقى آذانا صاغية من كبار قادة العالم ويقدم نصائحه بمهارة في القضايا الجيوسياسية، وما زال يثير إعجابا بقدر ما يسبب انقساما.
إذ يعتبر البعض هذا الرجل الذي يحتفل بمئويته اليوم السبت صاحب رؤية بينما يرى آخرون أنه “مجرم حرب”، لكن الدبلوماسي “الحكيم” كما يصفه البعض، بقامته المحنية ونظارتيه الشهيرتين بإطارهما الكبير الداكن، ما زال نشيطا
وقد شارك وزير الخارجية الأسبق قبل في حفل تكريم بمناسبة بلوغه من العمر مئة عام في نادي نيويورك الاقتصادي النخبوي جدا حيث أطفأ شموعا على كعكة من الشوكولاتة.
وبالتأكيد، لم يعد يظهر علنا إلا نادرا وغالبا عن طريق الفيديو كما حدث في دافوس في كانون الثاني/يناير الماضي، ولكن بالنسبة للرجل الذي ترك بصمته على السياسة الخارجية للولايات المتحدة في النصف الثاني من القرن العشرين، تبقى هذه الاستمرارية استثنائية.
لا فرق بين بايدن وترمب
وفي آخر التصريحات التي أدلى بها، رأى كيسينجر أن سياسة الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن لا تختلف عن سياسة سلفه دونالد ترمب في ما يتعلق بالصين. وقال “لقد كانت متشابهة إلى حد كبير، وهي تتمثل في إعلان الصين خصما، ثم انتزاع التنازلات منها، والتي نعتقد أنها ستمنعها من تنفيذ رغباتها الاستبدادية”.
كما أكد أنه يرى الصين بالقوة التي تمثلها وتملكها، خصماً محتملاً خطيراً لبلاده، لكنه دعا للحوار من أجل مواجهة هذا الخطر، بحسب ما نقلت صحيفة وول ستريت جورنال. وقال:” تحتاج الولايات المتحدة إلى الابتعاد عن الخصومة الطائشة والسعي بدلاً من ذلك إلى الحوار”، معتبرا أن أهم حوار يمكن أن يحدث الآن هو بين رئيسي البلدين، لكي يتفقا على إدارة سياستهما بطريقة تقلل احتمال نشوب صراع عسكري بين القوتين الكبيرتين”
وحذر من أن الصراع المحتمل بين واشنطن وبكين بالنظر إلى الأسلحة الحالية لديهما، يمكن أن يهدد بـ “تدمير الحضارة”.
خطأ فادح
أما في ما يتعلق بالملف الروسي الأوكراني، فأكد دعمه لموقف بلاده المؤيد لكييف، إلا أنه حذر من خسارة روسيا هذه الحرب.
كما اعتبر أن عرض أوكرانيا الانضمام إلى الناتو كان خطأ فادحًا وأدى إلى هذه الحرب. وشدد على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار حجم وطبيعة وتاريخ روسيا، التي باتت اليوم تشعر بأنها تعامل بدونية مع تصاعد العداء الأوروبي والغربي ضدها.
وشدد على أن “خسارة سيفاستوبول في شبه جزيرة القرم، والتي لم تكن دومًا أوكرانية عبر التاريخ، ستكون بمثابة عاصفة تجعل تماسك الدولة في خطر”، مضيفا “أعتقد أن هذا أمر غير مرغوب فيه سواء بالنسبة لأوكرانيا أو للعالم أجمع!”.
“السياسة الواقعية”
يشار إلى أن كيسنجر الذي كان لاعبا رئيسيا في الدبلوماسية العالمية خلال الحرب الباردة وحائز نوبل للسلام، أطلق التقارب مع موسكو وبكين في سبعينات القرن الماضي، معتمدا على رؤية براغماتية للعالم تعد نوعا من “السياسة الواقعية” على الطريقة الأميركية.
لكن صورة الرجل ذو الصوت الأجش واللهجة الموروثة من أصوله الألمانية، ما زالت مرتبطة بصفحات مظلمة في تاريخ الولايات المتحدة مثل دعم انقلاب 1973 في تشيلي أو غزو تيمور الشرقية في 1975، وبالتأكيد فيتنام، وفق فرانس برس.
ولد اليهودي الألماني هاينز ألفريد كيسنجر في 27 أيار/مايو 1923 في فورث في بافاريا، ولجأ في سن الخامسة عشرة إلى الولايات المتحدة مع عائلته قبل أن يصبح مواطنا أميركيا في سن العشرين.
ثم التحق نجل المدرس بالاستخبارات العسكرية والجيش الأميركي قبل أن يبدأ دراسته في جامعة هارفارد حيث كان طالبا لامعا وعمل في التدريس أيضًا.
وفرض كيسنجر نفسه وجها للدبلوماسية العالمية عندما دعاه الجمهوري ريتشارد نيكسون إلى البيت الأبيض في 1969 ليتولى منصب مستشار للأمن القومي ثم وزير الخارجية. وقد شغل المنصبين معا من 1973 إلى 1975. وقد بقي سيد الدبلوماسية الأميركية في عهد جيرالد فورد حتى 1977.
في تلك الفترة، أطلق الانفراج مع الاتحاد السوفياتي وتحسن العلاقات مع الصين في عهد ماو، خلال رحلات سرية لتنظيم زيارة نيكسون التاريخية إلى بكين في 1972.
كما أجرى وبسرية تامة أيضا وبالتزامن مع قصف هانوي، مفاوضات مع لي دوك ثو لإنهاء حرب فيتنام.
ولتوقيعه وقف إطلاق النار منح جائزة نوبل للسلام مع الفيتناميين الشماليين في 1973، في واحدة من أكثر الجوائز إثارة للجدل في تاريخ نوبل