خطر وتشويه… انتبهوا من وسائل التواصل الاجتماعي
يشعر كثيرون من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بالرغبة في تقديم أنفسهم بأفضل صورة، فما دافع هذا السلوك، وهل يشعر المستخدم بالرضا كلما زادت “تصفية الفلتر” للصورة، أم أنها تستنزف احترام الذات؟
يشير المستشار في الطب النفسي الدكتور مازن مقابلة إلى أن أطباء الجراحة التجميلية حول العالم أطلقوا في عام 2015 مصطلح “تشوّه سناب شات” (Snapchat Dysmorphia)، في محاولة منهم لوصف الزيادة الهائلة والمتسارعة في أعداد عمليات التجميل الجراحية لتعديل الشكل الخارجي للوجه ليصبح مطابقا لصور الأفراد عبر “سناب شات” (SnapChat)، بعد استخدامهم الفلاتر الموجودة في التطبيق.
وترافق الهوس بـ”المظهر المثالي تسابق منصات التواصل الاجتماعي في إضافة مزيد من “فلاتر” تعديل الصور بشكل مجاني، كوسيلة لجذب المستخدمين وزيادة تعلّقهم بالمنصة، وهنا كانت الكارثة”، وفق تعبير الدكتور مقابلة الذي أوضح أن الوضع الحالي تسبب في زيادة في نوع من أنواع الاضطرابات النفسية يُعرف باضطراب التشوّه الجسدي (Body Dysmorphic Disorder)، وهو عبارة عن اضطراب وسواسي يسبّب شعور الفرد بالقلق المفرط بسبب عيوب في شكل أو معالم وجهه أو جسده، حتّى وإن لم تكن ظاهرة للآخرين.
وأشار الدكتور مقابلة في حديث للجزيرة نت “تستمر هذه القناعة لدى الشخص حتى عند القيام بعمليات التجميل المختلفة، ما يدفعه إلى فقدان تقديره لذاته وثقته بنفسه، وقد تصل إلى الإصابة باضطرابات القلق والاكتئاب في حال عدم تلقّي العلاج النفسي مبكرا”.
ويضيف “لذلك يجب نشر التوعية بخطورة هذه التطبيقات على نفسية الفرد ونظرته إلى نفسه، خصوصا المراهقين، كونهم أكثر فئة عمرية تعاني من اضطراب التشوّه الجسدي”.
الجمال الافتراضي
يرى المتخصص في علم الاجتماع الدكتور محمد الجريبيع أننا نعيش اليوم في عالم افتراضي، جراء الاستخدام المتزايد لوسائل التواصل الاجتماعي، فأصبحت الموضوعات المنشورة افتراضية، وكذلك العلاقات، وحتى الجمال أصبح افتراضيا.
ويشرح للجزيرة نت “هذا الأمر جعلنا نبتعد عن الواقع، ولا أحد ينكر أن مواقع التواصل تشكل جزءا كبيرا من حياتنا، ولكنها للأسف، باتت المحرّك لكل سلوكياتنا وأفكارنا وعاداتنا، واستخدمت كإحدى المرجعيات التي نعود إليها في كل خطوة نخطوها، حتى في الحفلات والمناسبات نستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لتقديم أنفسنا بأفضل صورة”.
ويشير الجريبيع إلى أن الناس أصبحوا يستخدمون منصات التواصل الاجتماعي للمقارنات الاجتماعية، ووسيلة لإظهار الذات، وعادةً، يلجأ كثير من الأفراد إلى هذا السلوك عندما لا يكون لديهم تقدير عال وكامل للذات.
وأسهم الاستخدام المبالغ به لـ”الفلاتر”، والهوس بمقارنة الصورة الذاتية مع صور الآخرين على مواقع التواصل في ظهور مشكلات نفسية كالقلق والاكتئاب وفقدان الثقة بالنفس، وفق الجريبيع.
الآثار السلبية لـ”الفلاتر”
أظهرت دراسة أجراها باحثون في جامعة لندن، في عام 2021، عمق الآثار السلبية لـ”الفلاتر” على الصحة العقلية.
شملت الدراسة 175 شابا وشابة، تراوحت أعمارهم بين 18 و30 عاما، وتوصلت إلى الإحصاءات التالية حول الآثار السلبية لـ”الفلاتر”:
وقال الباحثون “أخبرتنا الشابات بأن معايير الجاذبية هذه غير قابلة للتحقيق، وأيضا سامة، وأنها تجعلهن غير سعيدات”.
ولفتوا إلى أن الشباب الذين يعانون من تدني احترام الذات وضعف صورة الجسم هم أكثر عرضة لاستخدام “الفلاتر”، ما يعزز الاعتقاد السلبي بأن مظهرهم ليس جيدا بما يكفي.
نصائح في استخدام “الفلاتر”
وقدم المصدر السابق مجموعة من النصائح لاستخدام “الفلاتر”، وهي:
دقّق في صورتك الشخصية: انتبه إلى مقدار الوقت الذي تمضيه في التصفية والنشر وكيف تشعر. كيف تبدو حالتك المزاجية أثناء عملية التحرير والنشر وبعدها؟ بمجرد قيامك بالنشر، هل تستمر في التحقق بقلق من ردود الفعل ومقارنة صورك بالآخرين؟ قد تساعدك الإجابات في السير إلى الأمام، والحصول على حماية أكثر لتقديرك لذاتك وصورة جسدك.
خذ بالاعتبار الرسالة التي ترسلها إلى نفسك: في كل مرة تقوم فيها بتصفية صورة شخصية، فأنت تخبر نفسك، بوعي أو بغير وعي، أنك لا تبدو جيدا بما يكفي كما أنت حقا. أنت تشتري نوعا من تشويه وسائل التواصل الاجتماعي، عالم يصنع فيه الجميع نسخا خاطئة عن أنفسهم، في محاولة للوفاء بالمعايير التقليدية للجمال.
احتضن نفسك: تذكر أن “عيوبنا” هي جزء مما يجعلنا مُمْتعين وحقيقيين وقابلين للتواصل. مارس التعاطف الذاتي، وحاول أن تقدّر نفسك على كل صفاتك، وليس فقط تلك التي يمكن رؤيتها في صورة شخصية. وسيساعدك بناء علاقة رعاية داعمة مع نفسك في بناء علاقات حقيقية مع الآخرين.
فكّر فيما يمكن أن تفعله بدلا من ذلك: قد يعني تمضية وقت أقل في التحرير والنشر مزيدا من الوقت في التنزّه أو إجراء تفاعلات وجها لوجه أو القيام بشيء إبداعي. وبالتالي، يمكنك استثمار مثل ذلك الوقت في ممارسة هوايات أو تحقيق إنجازات أكثر فائدة في حياتك