ساعات قليلة وتبدأ “الهيئة العليا للانتخابات” في تركيا عملية فرز الأصوات التي يواصل المواطنون الأتراك الإدلاء بها منذ صباح الأحد، لاختيار اسم رئيسهم الثالث عشر.
وتحمل عملية التصويت الحالية في مراكز الاقتراع طابعا “تاريخيا” من زاوية “جولة الإعادة” التي تشهدها البلاد للمرة الأولى، ومن المقرر أن تنتهي في الساعة الخامسة عصرا بالتوقيت المحلي.
ويتنافس على كرسي الرئاسة اسمان اثنان فقط بالجولة الثانية، هما مرشح تحالف “الجمهور” الحاكم رجب طيب إردوغان ومرشح تحالف “الأمة” المعارض، كمال كليتشدار أوغلو.
ومن غير الواضح كيف ستكون حظوظ كلا المتنافسين، في وقت يرجح مراقبون أن يحظى إردوغان بنسب تصويت أكبر، كونه حصّل الأغلبية البرلمانية في سباق 14 من شهر أيار، وكسب مؤخرا دعم منافسه السابق، مرشح “تحالف الأجداد”، سنان أوغان.
ومع ذلك يعتبر كليتشدار أوغلو مرشحا لتحالف يضم ستة أحزاب، وإلى جانب ذلك يحظى بدعم كبرى الأحزاب الكردية في البلاد، والدعم الذي أعلن عنه مؤخرا زعيم “حزب النصر” القومي، أوميت أوزداغ.
وتعوّل أحزاب المعارضة ومرشحها كليتشدار أوغلو، على إنهاء حكم إردوغان وحزبه، “العدالة والتنمية”، المستمر منذ 21 عاما، وبالتالي بدء “عهد جديد” في البلاد.
وفي المقابل، يسعى الحزب الحاكم ورئيسه إردوغان إلى البقاء في الحكم والحفاظ على المكتسبات وتتويج مسيرة 21 عاما، والانتقال بها إلى القرن الثاني لتأسيس الجمهورية.
“منافسة مختلفة”
ولا تشبه انتخابات الرئاسة الحالية سابقاتها على مدى العقدين الماضيين.
ولذلك يرى مراقبون وباحثون سياسيون أن وصف “التاريخية والمصيرية” الخاص بها يبدو واقعيا إلى حد كبير، وهو الذي أطلقه مرارا الرئيس التركي إردوغان، ومنافسوه في أحزاب المعارضة.
ولن تكون محطة “المصير” مرتبطة بواحد من المتنافسين فحسب، بل تنسحب على إردوغان من جهة ومنافسة كليتشدار أوغلو من جهة أخرى.
ولم ينظّم إردوغان وكليتشدار أوغلو أي تجمعات كبيرة كما ساد مؤخرا، فيما اتجها لإطلاق تصريحات عبر وسائل الإعلام، ونشر الوعود من خلال حساباتهما الشخصية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
علاوة على ذلك، وضمن حالة التنافس التي فرضت نفسها خلال الأسبوعين الماضيين، كان لافتا اختيار السياسي القومي، سنان أوغان دعم إردوغان، بينما أعلن السياسي القومي وحليفه السابق، أوميت أوزداغ دعمه لكليتشدار أوغلو.
وستفرض القاعدة التصويتية لكلا السياسيين القوميين نفسها على النتائج المنتظرة، وهو ما أشار إليه مسؤولو المعارضة والحكومة والمراقبون أيضا، مؤخرا.
وسيكون الحفاظ على مستويات عالية من مشاركة الناخبين أمرا حاسما لكلا المرشحين.
وذلك يرتبط بوجود هامش كبير يبلغ 2.5 مليون صوت يفصل بينهما، مما يدفع كل من إردوغان وكليتشدار أوغلو للاعتماد على معدلات المشاركة العالية الخاصة بهما.
وأطلق كلا المتنافسين خلال الأيام الماضية سلسلة رسائل ووعود، تقاطعت بقاسم مشترك بضرورة التوجه إلى الصناديق والإدلاء بالأصوات في “اليوم التاريخي”.
لماذا مصيرية؟
يرى الباحث السياسي التركي، هشام جوناي، أن “الانتخابات الحالية مهمة بالنسبة لمسار إردوغان وكليتشدار أوغلو”.
ويقول لموقع “الحرة”: “كلاهما.. لو خسر ربما سيضطر إلى إنهاء المسيرة السياسية، بحكم العمر وبحكم السنوات الطويلة التي خاضها”.
ويعتقد جوناي أن سباق 28 من شهر أيار “سيكون حاسما”، وأن من يخسر سينسحب من السياسة بشكل كلي.
ويضيف: “لا أظن أن إردوغان إذا خسر سيواصل المسار المعارض، وفي المقابل لو خسر كليتشدار لن تقبل به المعارضة رئيسا لحزب الشعب الجمهوري بدورة انتخابية أخرى”.
“المشهد السياسي سيتغير بكلا الحالتين”، فيما يشير الباحث إلى أنه “في حالة خسارة المعارضة سيتبع ذلك إعادة هيكلية لحزب الشعب الجمهوري، وبداية التحضير لانتخابات البلديات المقررة في مارس 2024”.
وستؤدي خسارة المعارضة أيضا إلى “انتهاء دول الطاولة السداسية (تحالف الأمة)، وربما سنشهد تحالفات جديدة في البرلمان”، وفق جوناي.
أما بالنسبة لإردوغان وتحالفه وفي حالة الخسارة “ستستمر الأحزاب المؤيدة له ضمن تحالف الجمهور بعرقلة كل قرارات الرئيس، إذا انتخب كليتشدار أوغلو”.
كما سيحاول تحالف “الجمهور” الحاكم “عرقلة مساره السياسي وولايته الرئاسية”.
ويشير الباحث في السياسية الخارجية التركية، عمر أوزكيزيلجيك، إلى أن “انتخابات الرئاسة تاريخية، بسبب النتائج التي ستفرضها على السياسة الداخلية”، وهو السبب الرئيسي وراء أهميتها و”العامل المصيري”.
ولا يجد أوزكيزيلجيك أي ربط بين الوصف الذي يطلق عليها بناء على “الخارج”، إذ يقول لموقع “الحرة”: “فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، من المؤكد أن الانتخابات التركية سيكون لها نوع من التأثير، ولكن لا ينبغي المبالغة فيه”.
ويضيف: “لا أتوقع أن تكون هناك انعطافة في أي احتمال للفوز”، وأن “الاختلافات الرئيسية ستكون من حيث النهج والأفكار العامة”.
وكانت الحكومة التركية استبقت الانتخابات الحالية بتعديل سياستها الخارجية، ليس مع دولة واحدة فحسب، بل مع مجموعة، من بينها السعودية والإمارات وإسرائيل ومصر.
ويختلف هذا المسار عما كان سائدا قبل عام 2020، بعدما انخرطت تركيا في العديد من الساحات، الأمر الذي انعكس على علاقاتها مع دول عدة، أبرزها عربية.
وتحدد الانتخابات ليس فقط من سيقود تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، التي يبلغ عدد سكانها نحو 85 مليون نسمة، بل أسلوب حكمها وإلى أين يتجه اقتصادها وسط أزمة غلاء المعيشة المتفاقمة كما ستحدد مسار سياساتها الخارجية.
الاقتصاد التركي أيضا في بؤرة التركيز، وفق وكالة “رويترز”، ويقول خبراء اقتصاديون إن سياسة إردوغان غير التقليدية المتمثلة في خفض أسعار الفائدة على الرغم من قفزة الأسعار هي ما أدت إلى زيادة التضخم إلى 85 بالمئة العام الماضي وإلى هبوط الليرة إلى عُشر قيمتها مقابل الدولار على مدى العقد المنصرم.
وفيما يتعلق بالشؤون الخارجية، استعرضت تركيا قوتها العسكرية في منطقة الشرق الأوسط وخارجها في ظل حكم إردوغان.
وأقامت أنقرة علاقات أوثق مع روسيا، بينما شهدت العلاقات مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة توترا على نحو متزايد.
كما توسطت تركيا والأمم المتحدة في اتفاق بين روسيا وأوكرانيا لاستئناف صادرات الحبوب الأوكرانية وأعلن إردوغان في 17 أيار، تمديد الاتفاق لمدة شهرين