خاص الهديل:
لا يمكن لمسيحي لبناني واحد عاقل أن يصدق مضمون أي اتفاق يوقع عليه كل من القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر.. والسبب لا يحتاج لجدل حوله، ومفاده أن جرح الفشل المدوي لاتفاق “اوعا خيك” القواتي العوني الذي أبرم عشية اتفاقهما على انتخاب ميشال عون، لا يزال طرياً وحياً ونازفاً.
ومن نافل القول أيضاً أن جعجع لا/ولن يثق بباسيل؛ وهو محق بذلك؛ كما أن باسيل لا/ولن يثق بجعجع؛ وهو أيضاً محق بذلك.. وعليه فإن معراب التي تحتاج لإجماع مسيحي ضد فرنجية من دون أن يؤدي ذلك الى ترشيح باسيل للرئاسة؛ وجدت الحل عبر دفع الأحداث الرئاسية بإتجاه خطوتين اثنين؛ الأولى بأن لا يضطر جعجع لتوقيع اتفاق ثنائي جديد – يكون بمثابة اتفاق معراب ٢ – مع التيار الوطني الحر؛ وبدل ذلك ينفذ جعجع الخطوة الثانية، وقوامها تشجيع حصول اتفاق بين باسيل مع كل المعارضة المسيحية التي من ضمنها القوات اللبنانية، على اسم المرشح الذي اختاره باسيل وهو جهاد أزعور؛ وبهذه الطريقة يرمي جعجع عصفورين بحجر واحد؛ فهو من جهة يؤمن إستبعاد مرشح الممانعة الأول – فرنجية – ومرشح الممانعة “المفترض” الثاني باسيل، وهما خصماه الوجوديان.. ومن جهة ثانية يتجنب جعجع إعادة عرض مسرحية اتفاق معراب رقم ٢ الممجوج مسيحياً..
..وأصل الفكرة هنا هي أن أي اتفاق يتم إعلانه بين باسيل وجعجع لن يحظى بالثقة عند المسيحيين؛ وجعجع يعرف هذا الأمر؛ وأيضاً باسيل يعلم ذلك.. وبالأساس لم يعد هناك بنود صالحة كي يتم تضمينها لأي اتفاق جديد بين القوات والعونيين أو بالأحرى بين القوات والباسيليين، ذلك أن كل البنود التي تصلح كي تكون مضمون الاتفاق الجديد بينهما؛ جرى إدراجها في الاتفاق السابق (اتفاق أوعا خيك) الذي توالى كل من باسيل وجعجع على شقه ورميه بسلة المهملات..
أولم يكن جعجع صاحب شعار أنه لن يشارك بأية حكومة تشكل في عهد عون وصهره باسيل؟؟.. إذا كان الجواب نعم؛ يصبح السؤال كيف سيشارك جعجع في أية صفقة لانتخاب رئيس يكون باسيل بطلها؟؟.
وعليه؛ فإن السؤال الذي لا بد أن يطرحه جعجع على نفسه هو التالي: إذا جاء أزعور إلى الرئاسة بصفته مرشح باسيل الذي اتفقت عليه المعارضة المسيحية؛ فما هو الثمن الكبير الذي سيطلبه باسيل من أزعور مقابل أنه كان المبادر إلى طرح اسمه، وبمقابل أن موقفه وموقعه (أي باسيل) داخل لعبة الانتخابات هي السبب في جعل كل المعارضة تؤيد ترشيحه؟؟.
حتى الآن لم يطرح جعجع على نفسه – أغلب الظن – هذا النوع من الأسئلة؛ فهو لا يزال منشغلاً بكيفية إحراج فرنجية من اللعبة لمصلحة ترشيح شخصية ليست باسيل، ولكن سيصحو جعجع بعد قليل على أن باسيل تحول بفعل اتفاق المعارضة معه على إسم أزعور – إذا قبل باسيل بهذا الاتفاق- إلى الناخب الملك والى “صانع الرؤساء”، وكل هذه الأوصاف لها أثمان سياسية سيطلبها باسيل من العهد الجديد؛ وتجعل من باسيل “الصهر السياسي” لعهد أزعور بعد أن كان “الصهر الفعلي” لعهد عون..
وبكل الأحوال فإنه لغاية هذه اللحظة يبدو أن جبران هو المنتصر بالشكل؛ فهو من ناحية أصبح عقدة الحل والربط بموضوع إنجاز وحدة المعارضة المسيحية على تسمية مرشح إجماع لها؛ ومن ناحية ثانية أصبح في موقع أفضل في تفاوضه مع حارة حريك على موضوع الرئاسة؛ فحالياً يفاوض باسيل الحزب من موقع تهديده بأن كل ورقة المعارضة المسيحية بما فيها معراب، أصبحت بيده وليس بيد جعجع.. ومن جهة ثالثة أصبح باسيل موجوداً على تلة مشرفة على مفاصل اللعبة الداخلية الرئاسية؛ وهو يمسك بين يديه بخيارات انتقاء الثمن الذي يريده.