رأى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، تعليقاً على مشاركة الرّئيس الأوكرانيّ فولوديمير زيلينسكي في القمة العربية التي عُقدت في مدينة جدة السعودية، أنّ “العرب منفتحون للاستماع إلى الجميع، ونحنُ لا نغلق الباب أمام أحد”.
وشدَّد في حديثٍ صحافيّ، على أن حضورَ زيلينسكي كان أمراً طبيعياً. وفي ما يتعلّق بالخلافات العربيّة حول الموقف من أوكرانيا، قال ميقاتي: “إتّخذ لبنان موقفاً مبدئياً في سياق الحرب الدائرة بين موسكو وكييف، وهو قائمٌ على رفض أي غزو لدولة أخرى أو احتلال أراضيها”
كما وأكّد أن الموقف اللبناني هذا “ليس موجهاً ضدّ روسيا التي نمتلكُ علاقاتٍ مميزةً معها”.
وبالعودة إلى قمّة جدة، أوضح ميقاتي أنّها كانت “ممتازة”، مشيراً إلى أنَّ “انتماءَ سوريا العربيّ ليس بحاجةٍ إلى أي قرارٍ، فسوريا قلب العالم العربي”.
وقال: “لست مطلعاً على المباحثات التي حصلت قبل الدَّعوة إلى القمة، لكنَّ المهمّ أن سوريا ستلعبُ مستقبلًا دورَها الطبيعيّ في الجامعة العربية”.
أضاف: “الأيام المقبلة ستبرهن دور سوريا في المنطقة”، موضحاً أنَّ “ما يهم لبنان حالياً هو إعادة النّازحين السوريين إلى بلدهم”
أزمة النازحين السوريين وعلاقات لبنان مع السعودية
وفي ما يخصّ أزمة النّازحين السوريّين، شدّد رئيس حكومة تصريف الأعمال على أنّ بيروت تقوم بتشكيل لجنة وزارية للذهاب إلى دمشق لبحث هذا الملف، “وبالتأكيد ستكون هذه الخطوة بالتنسيق مع اللجنة السداسية المنبثقة عن الجامعة العربية”.
ورأى ميقاتي أنه “لا يمكننا إجبار السوريين على العودة إلى بلدهم”، معتبراً أنّ “لبنان لديه سيادة ويحقّ له ألّا يقبل وجود أي أجنبي على أرضه بطريقة غير شرعية”.
وقال: “الموضوع غير موجه ضد جنسيّة محدّدة، ولا يُمكن اتهامنا بالعنصريّة، بل ما نُريده فقط هو ممارسةُ حقّنا في السيادة على كامل أرضنا، ومن هنا يأتي القرار بترحيل أي أجنبي لا يمتلك الوثائق القانونية اللازمة لإقامته في بلدنا”.
أضاف: “وفي ما يخص اللاجئين، نمتلك خططاً قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى لإيجاد حلّ لهذا الملفّ، وتمّت مناقشة الحلول والاتفاق عليها بين جميع القوى اللبنانيّة في الجلسات الحكومية”
وعن ماهية هذه الخطط، أوضح ميقاتي أنها “عبارة عن 9 نقاطٍ أساسيّة”، قائلاً: “سأطرحها خلال زياتي إلى بروكسل للمشاركة في مؤتمر حول أزمة النازحين السوريين”
من جهةٍ أخرى، تطرّق ميقاتي إلى موضوع العلاقات مع دول الخليج وتحديداً المملكة العربية السعودية، ورأى أنّ “الاتفاق الإيرانيّ – السعوديّ خفَّف من العصبية المذهبية”
وأشار ميقاتي إلى أنَّ “عودة سوريا إلى الجامعة العربيّة والعلاقة الممتازة مع الرياض، ستنعكسُ على لبنان تلقائيّاً لأنّ سوريا هي الجار الأقرب للبنان”
ولفت لدى سؤاله عن صحّة المعلومات التي تتحدّث عن دعمٍ سعوديّ لبيروت إلى “أنّنا لم نلمس إلى الآن وجود أي استثمارات سعودية قريبة في لبنان، لكن هناك وعود وإذا عادَ لبنان إلى السّكّة الصحيحة فسيكون له نصيب من هذه الاستثمارات”
العلاقة مع حزب الله والمناورات العسكرية الأخيرة
وأشار رئيس حكومة تصريف الأعمال إلى أنّ “القمة العربية أصدرت توصياتٍ ميّزت بين الإرهاب وسلاح المقاومة، وهذا هو الموقف اللبناني الرسمي، حيث أن الحزب مقاوم حتّى تحرير الأراضي اللبنانيّة، وهذا موجود في البيان الوزاري لحكومتي”.
أما داخليّاً، فشدد ميقاتي على “ألّا أحد يسيطر على الدولة اللبنانيّة، ولا يوجد أحد أكبر من سيادة لبنان، ونحن لا نقبل بوجود دولة داخل دولة وأنا أول المنتقدين لأي ممارسات قد تمس بسيادة البلاد”.
وقال: “لن أسمحَ باستخدام سلاح حزب الله في الداخل بتاتاً، وأنا ملتزمٌ بالبيان الوزاريّ لحكومتي من حيث مقاومة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية”
اضاف: “أنا أدعو من هنا إسرائيل إلى النظر في هذا الموضوع والخروج من الأراضي اللبنانية لكي لا يكون لنا مبرر بعد اليوم لاستخدام هذا السلاح لا كمقاومة ولا في الداخل”.
أما في ما يخص المناورات الأخيرة التي قام بها حزب الله، أعرب ميقاتي عن استنكاره لها، مشدداً على أن “هذا الأمر ليس بيد الحكومة اللبنانية بل بحاجة إلى توافق لبناني شامل وكامل في ما يتعلق بسلاح حزب الله”.
أما عن أي مواجهة مستقبلية بين الحزب وإسرائيل، فأوضح ميقاتي أن “حزب الله يمتلك الحكمة اللازمة لعدم جر لبنان إلى أي حرب في الوقت الحاضر، مررنا بحوادث عدّة حصلت في الأونة الأخيرة، وأعي ما أقول من حكمة ووعي لتجنيب لبنان أي حرب شاملة في المنطقة”.
قضايا الفساد والدعاوى ضد رياض سلامة
في سياق منفصل، أجاب ميقاتي عن سؤال حول مصير حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي صدرت بحقه مذكرة توقيف دولية، مشيراً إلى أن “القضاء اللبناني هو الذي يلعب الدور الأساسي في هذا الملف”.
وقال: “ما يهمنا هو الحفاظ على المؤسسات، وفي هذا الملف نتكلم عن مصرف لبنان؛ بالتأكيد من الأسهل لنا أن نقيل سلامة الآن، لكن من يتحمل تبعات ذلك؟ ومن سيستلم المصرف؟ من هنا، يجب ألا ننظر إلى الشخص، بل الى المؤسسة التي يجب أن تبقى مصدر احترام للعالم وللبنانيين”.
وعما إذا كان سلامة يتحمل وحده مسؤوليّة تبخّر أموال المودعين والأوضاع الاقتصادية المأساويّة، يقولُ ميقاتي: “لا فرق بين مصرف لبنان والدولة، فالأخيرة تتحمل مسؤولية كلّ ما حصل في السنوات الماضية، وعليها مواجهةُ هذا الموضوع وأن تكونَ واضحةً وصريحةً في موضوع إعادة الودائع للمواطنين”.
وتابع قائلًا: “يجب أن يكون لدى الدولة الجرأة لتقول إنها مسؤولة عن كل ما حصل، ومن ثم يمكن البحث عن محاسبة الدولة لمصرف لبنان والمصارف التجارية”.
وإذ لفت إلى “أننا تقدمنا بخطة التعافي التي تتمحور حول إعادة الودائع للمواطنين”، تمنّى على مجلس النواب دراستها “لكي تستقيم الأمور ونعيد بناء هذا القطاع بطرق حديثة”.
وحول الاتهامات الموجهة إلى الدول الغربية، وتحديداً ألمانيا وفرنسا، حول التدخل بالشؤون اللبنانية بعد الدعاوى القضائية ضد سلامة، قال ميقاتي: “لستُ مطلعاً على كلّ الموضوع القضائيّ، وبالتالي لا يمكنني الجزم في هذا الموضوع”.
أزمة الفراغ الرئاسي
وتعليقاً على واقع الفراغ الرئاسيّ، إعتبر ميقاتي أنّ “هذا المشهد بات للأسف جزءاً من تاريخ لبنان السياسي، فخلال السنوات الـ18 الماضية، عاش لبنان نحو 5 سنوات من دون حكومة، و3 سنوات من دون رئيس للجمهورية”.
وقال: “من هنا، يمكن ملاحظة أن هناك خللاً في النظام التشغيلي للحكم، يجب تعديله من دون المساس بالتنفيذ الكامل لاتفاق الطائف”
أضاف: “في حال لم نغيّر شيئاً، سنبقى في هذه المتاهات دائماً دول حلّ. لكنّ المهم أن نبقى في ظل اتفاق الطائف الذي أرسى السلم للبنان، وهو لا يزال صالحاً بشرط استكمال تنفيذه”.
وعن التدخلات الخارجية في اختيار رئيس للجمهورية، شدد ميقاتي على أنه “عندما يتفق الداخل فلا كلام للخارج، والأساس هو بين الأفرقاء اللبنانيين قبل أي شيء آخر”.
من جهة أخرى، أشار ميقاتي إلى موضوع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، ولفت إلى “أننا أرسلنا إلى البرلمان الإصلاحات المطلوبة من قبل الصندوق وأنشأنا هيئة عامة لمكافحة الفساد وعيّنا أعضاءها وهي اليوم تقوم بواجبها”.
وتابع قائلًا: “في الوقت الحاضر، علينا إقرار هذه القوانين بطريقة صحيحة، ومن ثمّ انتخاب رئيس جمهورية وتشكيل حكومة تكون على المستوى المطلوب لضبط هذه الأمور، وإلا فلن يتغير أي شيء”
استجرار الغاز من مصر
في سياق منفصل، تحدث ميقاتي عن موضوع استجرار الغاز من مصر، وأشار إلى أنّ “القاهرة لم تضع العراقيل في هذا الموضوع، بل كانت تطالب فقط بالحصول على الاستثناءات في ما يتعلق بقانون قيصر نظراً لأن الغاز سيمرّ عبر سوريا”.
أضاف: “الإدارة الأميركيّة تجري حالياً اتصالات مع البنك الدولي الذي يموّل هذا المشروع، وبالتالي، لا يمكن التقدّم في هذا الملف قبل انتهاء المحادثات بين هذه الأطراف الثلاثة”.
وعن التساؤلات حول ثروته، قال: “كنت رجل أعمال قبل دخولي عالم السياسة، وأنا لم أستفد من مناصبي في أموري الخاصة”
وتابع: “ثروتي الخاصة تراجعت في السنوات الماضية عندما توليت المناصب الرسمية، ما يؤكد عدم استفادتي من أي شيء بسبب مراكزي الحكومية، وأتحدى أن يثبت أحد العكس”
أضاف: “في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان، من الطبيعيّ أن تكون اتهامات الفساد جزافاً، وأنا مستعدّ لأن أفتحَ كلّ الملفات وكل الدفاتر وكل التحقيقات المطلوبة”.
وعن سبب عداء رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لشخصه واتهامه ورئيس مجلس النواب نبيه بري بـ “المتخلفين والرجعيين”، يرى ميقاتي “أنه إذا كان يوجد أي خطأ بالأداء الذي أقوم به، فأدعو باسيل اليوم قبل الغد لانتخاب رئيس للجمهورية، وبهذه الطريقة يكون قد أدى واجبه وارتاح مني”.
وتابع قائلًا: “فليأتِ باسيل برئيسٍ للجمهوريّة وأنا سأدعمه وأدعو له بالتوفيق. هو يعتبرُ أنّني متمسّك بهذا المنصب للاستئثار بالسلطة، لكن فعلياً، أن أقوم بالمهامّ المطلوبة مني وفق الدستور”
أضاف: “البديل عنّي هو انتخاب رئيس للجمهورية لذا أدعوه للقيام بذلك وسأكون له من الشاكرين”.
وعن نيته اعتزال السياسة كما فعل رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، يؤكد ميقاتي أنه لن يتراجع عن العمل الوطني، و”هذه المهمة يمكن القيام بها في أي مركز كان”، قائلاً: “أنا متعالٍ على أي منصبٍ في الوقت الحالي وما يهمّني هو أن أخدم بلدي لا أن أبحث عن منصب”.