الهديل

خاص الهديل : لبنان والأمير محمد بن سلمان و” النصائح الثلاث”..

خاص الهديل:

 

 

من يريد توجيه نصيحة عن لبنان لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، عليه أن يقول له ثلاثة أمور: 

 

الأمر الأول أنه من دون ازدهار نموذج لبنان لا انفتاح عربي – عربي؛ ولا إمكانية لإبراز ميزة التسامح الإسلامي الحضاري في اجتماع المنطقة؛ وهذه سمة يريد الأمير محمد بن سلمان إبرازها، بل هي تدخل ضمن مشروعه الاستراتيجي لجعل الاقتصاد والاجتماع يتطوران في وقت واحد، وبالتعاضد بين بعضهما البعض.. ومن دون لبنان سيظل مستقبل العرب الخاص بتقديم نموذج التنوير والتقدم مشوشاً وناقصاً..

 

..وما تقدم لا يعبر عن “شوفينية لبنانية” أو عن “عنصرية فنيقية”؛ ذلك أن فحوى هذا الكلام قالته شخصيات ليست لبنانية بل عربية، وقالته شخصيات ونخب ليست فقط عربية، بل أيضاً عالمية..

 

..وبالسرعة التي يتطلبها مجال الكلام هنا، يكفي استعارة ما قاله ميترنيخ وزير خارجية النمسا عن لبنان؛ وذلك عندما كان بلد الأرز لا يزال اسمه لبنان الصغير.. لقد قال ميترنيخ وهو المعروف عنه أن دبلوماسيته أرجأت اندلاع الحرب العالمية لعدة سنوات: “ان لبنان هو هذا البلد الصغير بحجمه، ولكنه الكبير بدوره”.. 

ويكمن دور لبنان الهام الذي اكتشفه ميترنيح منذ عقود طويلة؛ في أن معناه ليس لنفسه، بل لمنطقته وللعرب.. وحينما يعتبر العرب – أو أي عربي- أن لبنان بلد من دون فائدة، أو يمكن التعامل معه كبلد موجود جغرافياً، وليس معنوياً، وليس كدور حضاري وثقافي وتنويري وتحديثي داخل المعنى العربي؛ فإن ذلك لن يؤدي إلى جعل لبنان مشكلة داخل معنى العرب.. وبالنهاية لن يكون بإمكان أي عربي أن ينأى بنفسه عن مشكلة تواجه معناه. ومن هنا أزمات لبنان تصبح أزمة عربية بالثقافة بداية، ثم بالأمن والسياسة، الخ.. 

..وهنا تجدر الإشارة إلى أن كون لبنان يمتاز بأنه رسالة وفكرة داخل معناه العربي؛ فإن ذلك يجعله بلداً مؤثراً بالعرب، بمثلما هو يتأثر بالعرب.. وبالتالي فإن نظرية إهمال لبنان أو الاستغناء عن مكانته ودوره كما ترددت في بعض صالونات السياسات الأميركية، هي مؤامرة ضد العرب، لأن المستهدف هو معنى لبنان العربي… 

الأمر الثاني الذي يجب أن يمكن نصيحة الأمير محمد بن سلمان به؛ هو أن لبنان يشكل إضافة اقتصادية نوعية للمنطقة.. هكذا كان لبنان خلال القرن الماضي، وهكذا هو حالياً رغم أزمته، وهكذا سيكون غداً..

..صحيح أن لبنان القرن الحالي لم يعد له نفس الدور الريادي المالي والاقتصادي الذي كان له في القرن الماضي، وصحيح أن دول المنطقة تغيرت وتطورت وباتت تملك قدرات وأدوات ونخباً دولية واقتصادية ومالية وعلمية.. ولكن مع ذلك، يظل هناك دور نوعي ومميز للبنان على مستوى مواكبة الطفرات الاقتصادية والمالية الحديثة. ومرد ذلك أن عمر تراكم المعرفة العلمية في لبنان، هي الأقدم بين كل دول المنطقة. أضف أن لبنان كبلد هو من ناحية “جغرافية استراتيجية البنية الثقافية والموقع” وهو من ناحية ثانية يمثل الانتشار والحضور والانتاج الاستراتيجي على المستوى العالمي. ورغم أجيال الهجرة اللبنانية المتعاقبة، ورغم أزمات البلد المتتالية؛ إلا أن الهجرة اللبنانية ظلت فريدة في تجربتها الرائدة، قياساً بالهجرات في معظم دول العالم؛ كما أن علاقة المهاجر اللبناني ببلده الأم، ظلت وثيقة، رغم أن هناك أجيالاً من المغتربين اللبنانيين ولدوا خارج لبنان، ولا يتكلمون اللغة العربية.

وتقول بعض الدراسات اللافتة، وغير المنشورة إلا على نطاق بحثي ضيق، أن النخب اللبنانية التي هاجرت خلال العقود الثلاثة الأخيرة، بلغ مجموع ما انتجته في دول المهاجر، وذلك في مجال قطاعات العلوم المتقدمة والتكنولوجيا العليا، نحو ماية مليار دولار؛ أي ما يوازي كل الدين اللبناني.

إن الملاحظة الأساسية هنا هي أن لبنان ما قبل أزمته المالية أنتج مليارات الدولارات لنفسه عبر نخبه المقيمة، وأنتج مليارات الدولارات لمنطقته وللعالم عبر مهاجريه. وهذه علامة إيجابية لمصلحة لبنان، ومفادها أن بلد الأرز، حتى وهو في عز أزمته الإقتصادية؛ يظل قادراً على أن ينتج لصالح دول منطقته عبر مغتربيه ثروات كبيرة، وخاصة عبر النخب الشابة بينها التي تقع ميزاتها فيما تلقته من مستوى علمي عال من قطاع التعليم اللبناني الخاص وحتى الرسمي المتطورين..

إن هذا الواقع يقول أن لبنان قيمة نوعية اقتصادية مربحة لا تتوقف؛ وأن المطلوب من أية دولة عربية لديها طموحات اقتصادية كبرى؛ وبخاصة السعودية، أن تضع لبنان داخل جوهر خططها الإقتصادية الطموحة في المنطقة. 

النصيحة الثالثة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تتصل بتقديم إيضاح وتوضيح بخصوص الفكرة الشائعة والتي تقول أن الجيل الجديد من نخب الأسر الحاكمة في الخليج، لا تعرف لبنان بالنمطية نفسها التي يعرفه فيها، آباؤهم وأجدادهم الذين يوجد بينهم وبين لبنان علاقة معنوية وعاطفية خاصة.

وتقول هذه الفكرة أن الملوك والأمراء والنخب الأوائل في الخليج؛ كانوا يرون في بيروت خلال القرن الماضي، انها المكان – الحلم الثقافي والطبي والتعليمي والسياحي والاقتصادي والمالي، الخ.. أما الجيل الجديد من الأمراء والنخب الخليجيين، فهم تعلموا وعاشوا شبابهم في أوروبا وأميركا؛ ولم يتفاعلوا مع لبنان؛ وعليه فإنهم متحررون من صلات آبائهم بلبنان. وهذه الملاحظة صحيحة، ولكنها تصبح ملاحظة مرضية فيما لو تم اعتبارها مبرراً لإدارة ظهر الخليج لفكرة لبنان عندهم.

وفيما لا يختلف إثنان ان العالم تغير وأصبح قرية صغيرة، وأن أبناء الجيل الجديد من أمراء الخليج لديهم نظرة جديدة وحديثة للعالم ولأنفسهم، ولكن الصحيح أيضاً أن موقع لبنان داخل المعنى العربي هو أكبر من كونه موضوعاً سياحياً، أو ذاكرة عن لبنان انقطعت بين جيلين في الخليج.. ان لبنان هو نموذج عربي حضاري؛ ورسالة عن ان العروبة هي نسيج حضاري درتها هي الإسلام المتسامح، وهو مختبر تحديث تجربة التعايش اليومي الذي يعيشه اللبنانيون بين ١٦ عائلة دينية، ولكن يرعاه العرب الموجودون في منطقة هي مهد المسيحية والإسلام.

 

Exit mobile version