الهديل

خاص الهديل: لماذا ذهب ميشال عون إلى سورية: “الزيارة الذكية”!!

خاص الهديل:

 

زيارة الرئيس ميشال عون إلى سورية، في هذا التوقيت وفي هذا الظرف، ليست عادية بل هي زيارة تتصف بأنها ذكية، ولا تخلو من رسائل عميقة، يريد “عم جبران باسيل” توجيهها نحو عناوين واتجاهات حساسة. 

أولاً الرئيس بشار الأسد يحفظ لميشال عون جميل أنه “صالح دمشق بشجاعة”، بعد أن كان خاصمها بضراوة خلال وجودها في لبنان.

والرئيس بشار الأسد ثانياً يحفظ لميشال عون أنه حينما كان كل المسيحيين اللبنانيين تقريباً يديرون ظهورهم للنظام السوري، ذهب عون إلى دمشق، وأعلن صداقته له كون سبب المشكلة معه انتهت بعد خروجه من لبنان.

أما من جهته الرئيس ميشال عون، فهو يعرف أن لديه مكانة في دمشق وعند الرئيس بشار الأسد؛ ويعرف أيضاً أن سورية يظل لها صداقات ودالة على حلفائها اللبنانيين حتى لو أن دمشق لا تتدخل حالياً في لبنان، وهي منشغلة بشؤونها وهمومها. 

..ورغم أن ميشال عون يقول أن توقيت زيارته لسورية هو توقيت طبيعي ولا يحمل دلالات وأسباب استثنائية؛ فإن أحداً في لبنان أو في سورية، لن يصدق كلام عون هذا.. فالزيارة تأتي ضمن ثلاثة حسابات إستراتيجية بحسب مفهوم ميشال عون: 

الحساب الأول ينطلق من كون عون يعتبر أن الرئاسة من بعده يستحقها صهره جبران باسيل المعاقب أميركياً بسبب مواقفه المنسجمة مع خط محور المقاومة – ودائماً حسب وجهة نظر عون – .. وسيقول عون في دمشق أن باسيل تعرض لشيطنة من الشارع المعادي لمحور المقاومة في لبنان خلال انتفاضة ٢٠١٩، ويتعرض اليوم لنكران جميل من قبل حلفائه بمناسبة انتخابات رئاسة الجمهورية. 

.. ويدرك عون أن الرئيس الأسد لن يقف بجانبه ضد حليفه الاستراتيجي نصرالله؛ ولكن عون يدرك أيضاً أن الرئيس الأسد قد يكون مقتنعاً بأن العلاقة بين المسيحيين العونيين وحزب الله يجب أن تستكمل بعد ميشال عون عن طريق “الباسيليين العونيين”…

والواقع أن زيارة عون لدمشق يجب النظر إليها من خلال حقيقة أن الجنرال (ميشال عون) بدأ في الأسابيع الأخيرة حركة شخصية مكثفة هدفها إنقاذ باسيل من تآكل رصيده السياسي على أكثر من صعيد؛ وهذا الأمر هو الذي يفسر لماذا حرص عون على الاشتراك شخصياً في اجتماع تكتل لبنان القوي في ميرنا الشالوحي، وذلك بهدف وقف الانقلاب المتدحرج ضد باسيل داخل الكتلة.. وأيضاً هو الذي يفسر لماذا حرص عون على أن يحمل ثقل سنوات عمره ويذهب إلى جزين ليوقف هناك حروب العونيين فيما بينهم المؤذية لباسيل؛ وهو الذي يفسر أيضاً لماذا أمس قصد دمشق ليقول للأسد: وصيتي عندك هي جبران باسيل!!. 

ورسالة عون هذه للأسد، تعني بشكل مباشر أن مجال توصية نصر الله بجبران باسيل، باتت صعبة، أو تحتاج لتدخل فوق العادة؛ قد يكون عون يراهن في حصول هذا النوع من التدخل على الرئيس الأسد. 

وضمن هذه النقطة تجدر الإشارة إلى أن علاقة فرنجية بعائلة الأسد كانت دائماً علاقة وثيقة؛ ولكن بنفس الوقت؛ ظلت طوال الفترة الأخيرة ترد معلومات من دمشق تقول أن جبران لديه مكانة جيدة عند المسؤولين السوريين وأن علاقته بدمشق لم تنقطع وتم بناؤها بأسلوب تراكمي. 

 ثانياً- ان ما يسعى إليه ميشال عون مع الأسد هو جعل الأخير “شاهد خير” بينه وبين نصر الله؛ فعون يعتقد أن الخلاف الحالي بين حزب الله والتيار العوني وصل إلى نقطة أصبح حله يحتاج إلى حوار ليس بين باسيل ونصر الله، وذلك عبر القناة العادية المعتمدة (وفيق صفا وأحياناً محمد رعد أو غيرهما)، بل أن الحل بات يحتاج إلى حوار بين ميشال عون شخصياً وحسن نصر الله شخصياً، وأن تتم مواكبة هذا الحوار من قبل الرئيس الأسد بصفته شاهد خير على إعادة بناء تفاهم مار مخايل. 

ثالثاً- طبعاً لا يريد عون، وليس في ذهنه استدراج النفوذ السوري إلى لبنان على نحو ما كان حاصلاً قبل العام ٢٠٠٥؛ وبنفس الوقت فإن دمشق مكتفية بمشاكلها، وليست بوارد التدخل في لبنان إلا ضمن ثمن إقليمي لها.. ولكن عون، وهو يذهب في هذه اللحظة إلى سورية، فهو لا يستطيع إلا أن يتذكر حينما طلب الزعماء الموارنة اللبنانيون من حافظ الأسد في النصف الثاني من عقد سبعينات القرن الماضي، التدخل لحماية لبنان والمسيحيين من الفلسطينيين وحليفهم كمال حنبلاط. 

وما يريد أن يطلبه عون المسيحي اللبناني في هذه اللحظة من بشار حافظ الأسد، هو التدخل “كوسيط خير” بين حليفيه الشيعي والماروني في لبنان.. والواقع عون يطلب ذلك وهو شبه واثق من أن الأسد يحفظ له أنه في الوقت الذي تخلى فيه بعض حلفائه اللبنانيين عن دعم سورية في أزمتها، فإن عون الذي كان محسوباً على خانة أعداء سورية، صافح نظامها في الوقت الصعب. ويراهن عون أنه لديه مع الأسد أعداء وخصوم قدامى وجدد في لبنان؛ بمثلما أن لديهما في لبنان تجربة مشتركة من الثقة المتبادلة. 

وقصارى القول أن عون، يقوم في وقت باسيل الصعب، بطرق باب سورية الذي إذا ما تم فتحه أمام مطالبه، فإنه بذلك سيصيب عصفورين بحجر واحد؛ ذلك أن الأسد ليس فقط حليفاً وصديقاً لنصر الله، بل هو أيضاً صديق وسقف إقليمي لفرنجية.. 

ومن هنا يمكن توقع الكثير من زيارة عون إلى الأسد؛ فالأخير لن يضغط على نصر الله بخصوص أمر لبناني، ولكنه لن يترك عون من دون مساعدة، خاصة إذا كان نصر الله لا يزال يرغب بترميم العلاقة بين حزب الله والتيار الوطني الحر، وبينه شخصياً وبين امتداد الجنرال في البيئة العونية؛ أي جبران باسيل!!.

Exit mobile version