الهديل

خاص الهديل: “المعارضة من أجل أزعور” و”تطبيقات مفهوم سارتر للجحيم”!!

خاص الهديل:

اختار المفكر الوجودي جان بول سارتر لروايته التي تصف مفهومه للجحيم (جهنم) عنواناً موحياً وهو “الجحيم ليس فيه مرأة” أو “الجحيم هو الآخر”.  

والجحيم بحسب مفهوم سارتر، لا يوجد فيه عذاب مادي بل فيه عذاب معنوي وفيه جحيم نفسي وأخلاقي، الخ.. والجحيم الذي تصوره رواية سارتر هو عبارة عن غرفة يوجد فيها أثاث قديم غير مريح، ويقيم فيها شخصان أو أكثر لدى كل واحد منهم طريقة في التفكير معاكسة تماماً للآخر، ولدى كل واحد منهم أفكار وميول وطبائع تناقض تماماً الآخر، ومع ذلك فإن الله كعقاب لهم عن خطايا ارتكبوها في الحياة الدنيا، حكم عليهم أن يقيموا ويسكنوا ويعيشوا في غرفة واحدة وإلى الأبد!!…  

لو كان سارتر حياً ورأى سمير جعجع وجبران باسيل ووليد جنبلاط (الخ..) كيف أنهم رغم خلافاتهم حول كل شيء، اضطروا للعيش معاً في غرفة سياسية واحدة إسمها ترشيح أزعور؛ لكان سارتر اعبترهم أوضح مثل على تطبيقات فكرته التي تقول أن “الجحيم هو الآخر”، حيث يضطر متناقضين حتى العظم تنفيذاً لعقاب إلهي على العيش معاً في غرفة واحدة، ليس فيها أي نسبة انسجام، وليس فيها مرآة تمكن أياً منهم النظر إلى وجهه لتحسس ملامحه الإنسانية.. 

..وكل المقصود هنا هو القول أن فكرة أن يعيش سمير جعجع وجبران باسيل ووليد جنبلاط في غرفة انتظار انتخاب أزعور جنباً إلى جنب، هو أمر لا يمكن تفسيره إلا من خلال العودة لتفاصيل ووقائع قصة سارتر عن “أن الجحيم هو الآخر”، وعن “أن الجحيم ليس فيه مرآة تمكن المحكوم عليه بعذاب الأبدية، ان يرى ملامح وجهه المتغيرة”..  

إن إطلاق تسمية “معارضة التقاطع ضد فرنجية” على الشخصيات السياسية التي اجتمعت للسير بخيار أزعور، صحيح لحد بعيد، ولكن يعوزه بعض الدقة، والتسمية الأصح هي أن هذه الشخصيات تجتمع في “جحيم سارتر” المتخيل، وهي تجتمع بمفهوم “الحشر السياسي” وليس بمفهوم اللقاء الحر.. ومع ذلك فإن معارضة ضد فرنجية وضد نصر الله هذه الأيام، تذكر بالتحالف الثلاثي المسيحي عام ١٩٦٨، حيث آنذاك التقت الأضداد المسيحية التي تختلف على كل شيء، على هدف يتيم وهو التخلص من الشهابية.. 

وما يبدو واضحاً في هذه اللحظة هو أن جميع الأطراف اللبنانية تعلم أن خياراتها في المعركة الرئاسية ذاهبة للاصطدام بالحائط المسدود؛ ما يؤشر إلى أن طرفي مواجهة يوم ١٤ حزيران لم يحتسبا جيداً طريقهما خلال مقاربتهما لهذا الاستحقاق: فالثنائي الشيعي أخطأ حينما رشح سليمان فرنجية من حارة حريك؛ ما جعل معركته منذ البداية موسومة بأنها عبارة عن عربة حطام مارونية يجرها حصانا الشيعة: حزب الله وحركة أمل.. 

..كما أن المعارضة التي اصطفت وراء ميشال معوض، أخطأت حينما رشحته قبل أن تتحد، ما جعلها في نهاية الأمر تبحث عن أية وحدة، وحتى لو كانت وحدة يقودها جبران باسيل كما يحدث اليوم..

إن منظر جبران باسيل وهو يقود في هذه اللحظة المعارضة المسيحية المولودة في كنف مواجهة عهد عون، وفي كنف ثورة ١٧ تشرين، ليخوض بها ومعها معركة رئاسة الجمهورية ومعركة شد الحبال بينه وبين حارة حريك؛ هو أمر يقارب أن يكون سوريالياً ونوعاً من أفلام الكرتون المضحكة للكبار والمبكية للاطفال.

كما أن تصرف جهاد أزعور، وهو يحاول أن يضمن قبول طلب توظيفه في موقع رئاسة الجمهورية، كشرط لتقديم استقالته من وظيفته في البنك الدولي، هو أمر مضحك مبكي، ويؤكد أن على الرجل ينظر إلى نيله موقع رئاسة الجمهورية، بوصفه مجرد حصوله على وظيفة أفضل من وظيفته الحالية، ولا ينظر إلى ترشحه على أنه وسيلة مقدسة لخدمة مشروع سياسي أو لتحقيق مهمة وطنية يريد القيام بها والتضحية من أجلها.  

ولا يعني ما تقدم أن سليمان فرنجية لديه مشروع سياسي؛ فهو حتى اللحظة يتجنب المبادرة لإعلان ترشيحه حتى لا يتم سؤاله عن بيان ترشيحه الموجود في عهدة الطرف الذي رشحه. 

والواقع أن مشكلة أزعور أنه ينظر لموقع رئاسة الجمهورية على أنه وظيفة؛ فيما سليمان فرنجية ينظر لموقع رئاسة الجمهورية على أنه ورثة من جده يجب أن تصل إليه!!.

..أما القوى السياسية المنخرطة في معركة المفاضلة بين أزعور وفرنجية، فهي قوى لا تبحث عن “فخامة رئيس لوطن”، بل تبحث عن “رئيس بلا فخامة” يثبت أدوارها الخاصة داخل استحقاق الرئاسة!!

Exit mobile version