الهديل

خاص الهديل: وليد جنبلاط: مشهد الذروة في توريث تيمور

خاص الهديل:

 

 

تدرك المختارة أكثر من أية جهة أخرى، أن إيصال لقب الزعامة لتيمور جنبلاط يحتاج لمعركة تظهر صورته كبطل ومقدام يستحق الزعامة، وذلك فوق أنه الوريت الشرعي في الأسرة الجنبلاطية الحاكمة.. 

 

ومنذ أن قرر وليد جنبلاط توريث ابنه؛ واجه عقبة أساسية، وهي كيف يصنع حدثاً له، وليس كيف يصنع جمهوراً له. فالناس في الجبل هم على دين ملوكهم؛ ولكن الأمراء الجدد يحتاجون إلى صنع تاريخهم الخاص بأيديهم حتى يصبح تاريخ عائلتهم ملك إيمانهم. 

 

إن المختارة تعمل بالسياسة بالاستناد على الذاكرة.. وهي في هذا المجال تشبه الإمبراطوريات التي تضرب الأمثال عن كيف تصرفت بالأمس، وكيف ربحت الحروب في الماضي، لتحصل على مقاربة صائبة تواجه بها الأزمة الراهنة والمهمة الحالية.

 

وفي هذا السياق يحفظ وليد جنبلاط عن ظهر قلب تميمة قديمة تقول “أن البطولة هي إظهار البأس والقوة في اختيار توقيت خوض الحروب، وليست في إظهار البأس خلال الحروب”.. 

 

..ومن وجهة نظر وليد جنبلاط فإنه لن تتوفر لتيمور فرصة ليرتدي بمناسبتها ثوب المحارب السياسي، أفضل من فرصة إعطائه لقب أنه صانع قرار المختارة بانتخاب مرشح تقف ضده القوة الشيعية الفائضة.

وليس أسهل على وليد جنبلاط من جعل نجله يتصدر اجتماع اللحظة الأخيرة قبل الذهاب إلى معركة يوم الأربعاء الكبير، ليوحي بأن تيمور سار بعكس ما يريده والده؛ وفرض على المختارة خيار التصويت لأزعور والوقوف في صف المعارضين لخيار فرنجية المدعوم من محور الممانعة.

وسيقول أبو تيمور للجيل الجديد من الدورز الذين قالت إحصاءات أن نسبة المشاركين بحراك ١٧ تشرين ٢٠١٩ منهم، تجاوزت الأربعين بالمئة، أن تيمور ليس من معسكر “كلهن يعني كلهن”؛ وسيقول أبو تيمور لصديقه نبيه بري أن انتخاب أزعور مجرد معركة وهمية، ولا تشكل حرباً على الشيعة، بينما توريث نجله تيمور يحتاج لافتعال حرب من نوع حرب ترشيح أزعور لانتخابات لن يفوز بها.. وسيقول أبو تيمور أيضاً للملأ السياسي في لبنان أن قصة توريث تيمور كما شاهدتم بمناسبة انتخابات ١٤ حزيران، لم تعد سيناريو قيد الإعداد، بل أصبحت حقيقة معاشة في المختارة.. 

باختصار كان تيمور يحتاج لخوض معركة سياسية، حتى يتم تعميده زعيماً على المختارة، وليس زعيماً في المختارة.. وكان يحتاج لصورة يبدو فيها عاقد الحاجبين وهو ينظر إلى الأفق بغضب وتصميم.. وقد تحققت لوليد الفرصة المناسبة لجعل تيمور يبدو أنه الحدث المهم داخل حدث ترشيح أزعور.

قبل مناسبة انتخابات يوم الأربعاء الكبير، وهذه الحرب التي بدأت اشتباكاً تكتيكياً بين جبران باسيل وحزب الله، وتحولت الآن إلى “حرب عالمية يمقاييس لبنانية”، لم يكن هناك على أجندة وليد جنبلاط مناسبة تسمح لنجله بأن يركب موجتها ليصنع من خلالها نقطة انطلاقته السياسية داخل عائلة آل جنبلاط، بحيث يتحول من زعيم في المختارة الى زعيم المختارة..  

والحق يقال أن الأحداث التي مر بها البلد والتي كانت متوقعة الحدوث؛ كانت جميعها احداث مستهلكة رغم أهميتها.. وعليه فإنه حتى لو أخذ تيمور مواقف قوية منها؛ فإنها كمواضيع لن تجد اهتماماً عند جمهور طائفته.. ولكن حدث انتخاب أزعور يكتسب ميزة تجعله محل اهتمام الدروز وغير الدروز؛ وذلك بالنظر إلى أنه حدث استفزازي – وهذا ما يطلبه اللبنانيون – وأيضاً حدث يوجد في داخله حزب الله.. وهاتان الميزتان مثاليتان لجعل تيمور يصطاد في بحرهما ليظهر صورته كبطل يصنع تاريخه الخاص والشخصي.. 

..والواقع أنه حيث توجد أجيال تتوارث الزعامة والسلطة والسطوة أباً عن جد، فإن التاريخ لا يرتاح له جفن، قبل أن يضمن الأب لنجله ليس فقط نقل الملك له، بل أيضاً منحه تاريخاً له.. وأيضاً منحه قصة تصنع له تاريخه الجديد داخل العائلة المجيدة.

..وخلاصة القول هنا أن التوريث السياسي بين عائلات الياقات البيضاء، هو على خلاف التوريث المادي بين العامة، حيث أنه في الحالة الأولى يسيل الوارث المجد الذي سبقه والذي جير إليه، كي يصرفه على بناء مجده وعظمة دوره؛ في حين أنه في الحالة الثانية يحافظ الوارث على الثروة التي وصلت إليه، كي تصبح أساس ثروته وأهم ضمانة لمستقبله.. وهكذا تيمور جنبلاط يصرف رصيد علاقة أبيه مع بري كي يؤسس ثروة له خارج مصرف التقليد السياسي.. كما يسمح له أهل المختارة بتصدر المشهد كبطل قادم إلى المختارة من أوسع شرفاتها، وليس من نوافذها أو حتى أبوابها. 

وأقل ما يمكن قوله في هذا المجال أن “فيلم أزعور” تم إعادة انتاجه في المختارة على نحو يجعل السيناريو، يفيد منه الأمير الجديد، تماماً كما تمت إعادة انتاجه في ميرنا الشالوحي على نحو يفيد منه الصهر الوارث مجده من عمه.. ووحده جهاد أزعور قد يجد نفسه أخيراً من دون بطاقة دعوى تسمح له الدخول إلى قاعة السينما التي تعرض فيلماً من بطولته، ولكن ليس من إخراجه، وحتى لن يكون له مكان بين مشاهديه.

Exit mobile version