خاص الهديل:
لم تنجح إدارة ماكرون على مدار نحو أربع سنوات في إنتاج حل للأزمة اللبنانية؛ وحالياً يعمد ماكرون إلى إعادة المحاولة للمرة العاشرة ربما من خلال تغيير أحصنته السياسية في لبنان، ولكن لا يوجد تفاؤل بأنه قد ينجح…
إن مشكلة باريس، بجزء أساسي منها، تكمن في أن فرنسا – ماكرون غير فرنسا ديغول أو ميتران أو حتى شيراك؛ فالأخيرون كانوا يرون حلولاً للبنان تحقق الاستقرار فيه، بينما ماكرون يريد استقراراً في لبنان يحمي مصالح باريس التي دخلت لقطاع الغاز اللبناني والاستثمار في إعادة بناء المرفأ وفي البريد، الخ..
وهذا التحليل لعلاقة باريس – ماكرون بلبنان ينتهي للقول بأن مسيحيي لبنان الذين طالما استنجدوا بباريس، باتوا اليوم يخشون من الدور الفرنسي في لبنان، كونه لم يعد اتصالاً مع بُعده التاريخي الثقافي والإنساني، بل بات دوراً يتوسل حماية مصالح فرنسا، ما يحتم على باريس الذهاب للحوار والتفاهم مع الطرف الأقوى في لبنان، أي مع حزب الله، ولو كان ذلك على حساب المسيحيين..
والواقع أن دعم الإليزيه لترشيح سليمان فرنجية تقف وراؤه حقيقة أساسية، وهي رغبة إدارة ماكرون الخفية ببناء “تفاهم لبناني مع حزب الله”، الأمر الذي يجعل باريس مطمئنة أكثر إلى أن مصالحها في لبنان محمية داخل لعبة توازنات القوى اللبنانية الداخلية.
والحق يقال أن اختيار ماكرون “لشعار مصالح فرنسا أولاً في لبنان”، وموقفه الإيجابي من ترشيح فرنجية، جعل مسيحيي لبنان يعودون إلى مقولتهم القديمة المشهورة والتي تقول: “ان فرنسا شمس تضيء عن بعيد، ولكنها شمس تحرق عن قريب”.
قد يكون مفهوماً عند الكثيرين وجود حوار بين باريس وحزب الله داخل لبنان ومن أجل الحل في لبنان، ولكن يبدو مستغرباً أن يقال في باريس ذاتها أن الوساطة الفرنسية في لبنان متأثرة بوجهة نظر طرف لبناني، هو حزب الله..
وثمة استنتاج داخل باريس وبين أصدقاء لبنان في فرنسا، يقول أن ماكرون يستثمر في موازين القوى المحلية داخل لبنان، ولذلك ذهب لدعم ترشيح فرنجية، وذهب لمسايرة مواقف حزب الله في لبنان؛ كون ماكرون يريد بناء استقرار لمصالح فرنسا في لبنان، وليس بناء استقرار ديموقراطي وسيادي للبنان…
ويستفاد من ذلك انه في زمن ماكرون، أصبح حضور المعطى الثقافي والتاريخي في علاقة باريس مع لبنان، أقل من طغيان حضور المعطى المصلحي والسياسي.. فماكرون ينظر إلى لبنان من منظار موقعه على خارطة مصالح فرنسا في شرق المتوسط، وليس من منظار واقعه فوق خارطة علاقات فرنسا التاريخية في دول المشرق العربي…
والواقع أن هذا التحليل لعلاقة فرنسا – ماكرون في لبنان، تتم مواجهته بنمطق معاكس يقول أن باريس في سعيها لتأمين مصالحها في لبنان، لا تخرج عن ما هو مألوف في نظرة الدول لعلاقاتها الخارجية ومصالحها ..
..ويضيف هذا المنطق أن فرنسا ليست وحيدة في هذا المجال، بل مثلها أيضاً السعودية التي لم تعد تنظر إلى لبنان على “أنه طفل صائع يجب أن تدفع الرياض عنه ثمن أخطائه بحق نفسه وبحق الأمن العربي ومصالح العرب”، بل بات مطلوباً سعودياً كما فرنسياً من لبنان ومن قواه السياسية، أن يكون مسؤولاً، وأن يتعامل في علاقاته الخارجية ضمن “منطق دولة بمقابل دول”..
والواقع أنه في زمن التسويات الاقتصادية الكبرى، فإن على لبنان أن يدرك أنه لم تعد فقط باريس شمس تضيء عن بُعد، وتحرق عن قرب إذا تضررت مصالحها، بل أيضاً أصبحت السعودية شمس تحرق عن قرب إذا تضررت مصالحها، وتضيء عن بُعد إذا تفاعل لبنان إيجابياً معها..
..وبكل الحالات فإن المهم هنا أن يقدم لبنان تعريفاً عملياً مقنعاً لنفسه في علاقاته مع الدول، بحيث يكون مجدياً، ولا يقدم الخسائر للدول التي تتدخل لإخراجه من الانهيار سواء عن قرب أو عن بُعد..