خاص الهديل:
أصبح مصطلح “الحوار” في لبنان مستهلكاً؛ رغم أن الحاجة إليه هي دائمة، وذلك بسبب تركيبة البلد المتعددة الطوائف، ونظراً للحاجة الدائمة للتسويات السياسية بين أحزاب وطوائف البلد في ظل نظام سياسي توافقي..
..غير أن فكرة الحوار الداخلي وصلت بخصوص حل أزمة الشغور الرئاسي إلى طريق مسدود؛ وبالأصل فإن الفكرة لم تكن منطقية لأن مبدأ أن يحل التفاوض محل الانتخاب الديموقراطي بموضوع اختيار رئيس الجمهورية هو أمر غير صحي وغير ديموقراطي؛ ومع ذلك فإن كل القوى السياسية تقول بالفم الملآن أنه لا حل لأزمة الشغور الرئاسي إلا بالحوار الداخلي والتفاوض والاتفاق على إسم الرئيس، ومن ثم الذهاب إلى البرلمان لانتخاب الرئيس!!.
ورغم أن هذا المنطق يضع العربة أمام الحصان، إلا أنه هو السائد داخلياً، وهو الوصفة المعتمدة بوصفها السبيل الوحيد لإنهاء أزمة الشغور الرئاسي.. ويستنتج من كل ما تقدم أن مشكلة غياب فرص الحوار في الداخل لا تعود إلى كون القوى السياسية أو بعضها، هو في حالة اعتراض على إحلال التفاوض مكان الانتخاب في مسألة اختيار رئيس للجمهورية؛ بل لكون الأطراف السياسية أو معظمها ترى أن شروط الحوار داخلياً للاتفاق على فخامة الرئيس لم تنضج بعد: فبالنسبة للأطراف المسيحية فإن فرصة الحوار للاتفاق الداخلي على رئيس للجمهورية، لا تنضج إلا إذا توفر شرط تخلي حزب الله وحركة أمل عن ترشيح سليمان فرنجية؛ أما بالنسبة لحزب الله فإن شرط الحوار للاتفاق الداخلي على رئيس للجمهورية، لا تتوفر إلا إذا وافقت الأحزاب المسيحية على الدخول في حوار مع الحزب من دون أن يتخلى الأخير عن بقائه محتفظاً بترشيحه لفرنجية.
..ونظرياً جاءت جلسة انتخاب ١٤ حزيران من أجل أن تكسر تثبّث طرفي النزاع الرئاسي بمواقعهما، حيث توقع الكثيرون أن جلسة ١٤ حزيران ستنسف وتفرط من جهة تحالف ترشيح أزعور، وسوف تساعد حزب الله من جهة ثانية على النزول عن شجرة ترشيح فرنجية؛ ومن ثم يذهب الجميع إلى التفاوض على مرشح وسطي ثالث؛ ولكن كلتي هذين الهدفين (فرط تحالف أزعور وإنزال الحزب عن الشجرة) لم يتحققا؛ بل ما حصل هو أن كل فريق من طرفي النزاع الرئاسي، قرأ نتائج جلسة ١٤ حزيران بحسب رغباته السياسية، وليس بحسب ما أفرزته من نتائج على أرض الواقع.
..فمثلاً حزب الله، اعتبر أن “حلف التقاطعات” كان يريد أن يحصد أزعور ٦٥ نائباً، ليقول أنه رئيس قيد إنهاء التعطيل الدستوري من قبل الثنائي الشيعي، ولكن أزعور لم يحصد سوى ٥٩ نائباً، ما يعني أن الفريق المؤيد لترشيح فرنجية هو الذي فاز في جلسة ١٤ حزيران؛ أما “فريق التقاطعات”على أزعور فهو اعتبر أن جلسة الانتخاب بينت أن هناك ٧٢ نائباً ضد ترشيح فرنجية؛ وهذه نتيجة واضحة لجهة أنها تقول أنه يجب على فرنجية أن يفهم أن حظوظه للفوز انتهت، كما يجب على الفريق الذي يؤيده التراجع عن المضي قدماً بترشيحه.
إن جلسة ١٤ حزيران التي عقدت كي تؤدي نتائجها إلى فتح باب الحوار الداخلي لانتخاب رئيس للجمهورية، بينت الوقائع أنها أدت إلى إقفال باب الحوار الداخلي؛ وبينت نتائجها أيضاً أن القوى السياسية غير جاهزة للتحاور حول فخامة الرئيس، وغير جاهزة لانتخاب فخامة الرئيس.. وهذا يعني أن الحوار من أجل انتخاب رئيس، انتقل بعد جلسة ١٤ حزيران إلى الخارج، وأصبح الحوار الخارجي للتفاهم على انتخاب رئيس للجمهورية هو البديل المطلوب عن الحوار الداخلي الذي ثبت أنه لا يمكن عقده، ولو عُقد فإنه لن ينجح في تحقيق تفاهم داخلي لبناني على فخامة الرئيس.
السؤال الآن هو من سيقود الحوار الخارجي لإنهاء الشغور الرئاسي؟؟
تقول معلومات أن الخارج يدور حالياً داخل دائرة يوجد فيها ثلاثة خيارات:
الخيار الأول وهو خيار جديد ويقول أنه قد يكون مناسباً أن يتم البدء بحل الأزمة الاقتصادية في لبنان قبل البدء بحل الأزمة السياسية فيه.. بمعنى أن يتم اختيار رئيس ضمن مبدأ يعطي الأولوية لحل مشكلة الشغور الرئاسي، وليس للتدقيق بصفات الرئيس؛ وهذا التوجه يريد وقف الانهيار الاقتصادي وترميمه، وإبقاء إدارة الاقتصاد في لبنان على حالها، ومن ثم بعد إرساء استقرار اقتصادي نسبي يدعم الاستقرار الأمني النسبي يصار إلى البدء بالحل السياسي، وذلك بالتزامن مع تطورات سياق التسويات العام في المنطقة.
الخيار الثاني هو الإصرار على أولوية أن تقوم الدولة اللبنانية بالإصلاحات حتى يبدأ العالم بمساعدة لبنان على حل أزمته..
الخيار الثالث هو أن يسبق سياق بوادر المحاسبة في لبنان سياق انتخاب رئيس الجمهورية.. وهذا الأمر هو ما يخيف بعض الجهات اللبنانية التي تحاول قطع هذا السياق الدولي عن طريق تكثيف دعوات مجلس النواب لعقد جلسات عاجلة لانتخاب الرئيس..