الهديل

الراعي: بدأ لبنان يفقد حياده منذ عام ١٩٦٩ بتوقيع اتفاقية القاهرة وها هو يترنَّح حاليًّا بين الوحدة والانقسام

اشار البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في حفل اطلاق كتاب لبنان الكبير المئوية الاولى، الى ان لبنان بدأ يخسر حياده منذ سنة 1969 بتوقيعه على “إتفاق القاهرة” الذي سمحَ للمنظَّمات الفلسطينيَّة القيامَ بأعمال عسكريَّة ضدَّ إسرائيل انطلاقًا من الجنوب اللُّبنانيّ. وكَرَّت سُبحةُ انحياز الدَّولة وفئات لبنانيَّة إلى النِّزاعات العقائديَّة والسِّياسيَّة والعسكريَّة والمذهبيَّة في الشَّرق الأوسط. احتلَّت إسرائيل جنوب لبنان (1978-2000) وسيطرت المنظَّمات الفلسطينيَّة على الجزء الباقي وصولًا إلى وسط بيروت (1969-1982)، ثم دخلَت القوَّات السُّوريَّة لبنان (1976-2005) ونشأ حزب الله حاملًا مشروع الجمهوريَّة الإسلاميَّة الإيرانيَّة بأوجهه الدِّينيّ والعسكريّ والثَّقافي (1981-…).

وتابع:” وقعَتْ جميعُ هذه الأحداث بسبب خروج لبنان عن سياسة الحياد المتعارف عليها من دون نصٍّ دستوري. هكذا فقدت الدَّولةُ سلطتَها الدَّاخليَّة، والكيانُ سيادتَه الحدوديَّة، والوطنُ دورَه السِّياسيَّ والصيغةُ توازنَها، والمجتمعُ خصوصيَّتَه الحضاريَّة. ونتجت عن هذا الاختلالِ صراعاتٌ جانبيَّةٌ داخليَّةٌ لا تَقِلُّ ضراوةً عن الحروبِ الأساسيَّة. وها لبنان يترنَّح حاليًّا بين الوحدة والانقسام. ”

اضاف: “عندما يتكلّمون عن حياد لبنان، يعطون أمثالًا كحياد سويسرا، وحياد النمسا. ولكن يوجد فرق بينه وبينهما: سويسرا كانت مسرح حروب أهليّة، وتشترك في غالبيّة الحروب الأروبيّة. وإثر هزيمتها في معركة Marignan أمام ملك فرنسا، تأكّد شعبها أنّ بلاده ليست قوّة أوروبيّة لترتكب مغامرات عسكريّة، وتيقّن السويسريّون أنّ انقساماتهم الدينيّة واللغويّة والثقافيّة تحول دون إتباع سياسة خارجيّة واحدة، وسياسية دفاعيّة واحدة، فأعلنوا حيادهم سنة 1515، ثمّ اعترفت به حيادًا دائمًا الدول الأوروبيّة الكبيرة في 20 تشرين الثاني 1815. مع تعزيز الحياد السويسريّ، بدأت المنظمات والجمعيّات الدوليّة تستوطن أرض سويسرا. وسلمت من الإنقسام بين إيطاليا وفرنسا وألمانيا. النمسا خلافًا لسويسرا حيّدت نفسها بنفسها. فتبنّت مبدأ الحياد في 26 تشرين الأوّل 1955، تلافيًا لبقائها مقسّمة أربعة أجزاء بين أميركا وبريطانيا وفرنسا والإتحاد السوفياتي. في كلا الحالين يمكن للبنان أن يتشبّه بأحدهما انطلاقًا من طبيعته لكي ينعم بالسلام الدائم والإستقرار، ويجتذب المؤسّسات الدوليّة، ويستعيد نموّه الإقتصاديّ والمالي والإنمائيّ. لكنّه يحتاج إلى قوّات عسكريّة قادرة على فرض الأمن في الداخل، وحماية حدود الدولة، والتصدي بقواها الذاتيّة لكلّ اعتداء يأتيها من الخارج، والدفاع عن شعبه وعن مواصلة التبادل التجاري السلميّ مع دولة محاصرة.”

Exit mobile version