الهديل

الموفد الفرنسي يؤذي موسم السياسة والسياحة

لصفات التي أطلقت على زيارة الموفد الفرنسي جون إيف لودريان بانها استطلاعية، استكشافية، مكوكية.. لا تجيز الاستنتاج الآن ربما بأنها مجرد رحلة سياحة دبلوماسية، يقوم فيها مسؤول فرنسي سابق جرى استدعاؤه من التقاعد، لكنها تزيد الحيرة المتراكمة أمام دور”الام الحنون”، وتسمح بالشك في أنها لن تكون سوى خطوة مؤذية، تعرقل، في الحد الادنى، جهود حل الازمة اللبنانية، إن لم تعطلها تماماً.

لم يفت الآوان بعد على السؤال عن سبب اهتمام باريس الراهن بالانتخابات الرئاسية اللبنانية، التي لم يسبق ان شاركت فيها مباشرة منذ الاستقلال حتى اليوم، ولم تشمل لائحة رؤساء الجمهورية اللبنانية التي ولدت من رحم الانتداب الفرنسي، رئيساً واحداً يمكن ان ينسب الى فرنسا او يصنف في خانة حلفائها او حتى المقربين منها. كانوا جميعا، ومن دون استثناء الراحل شارل الحلو، نتاج تدخل بريطاني، ثم أميركي، حظي بمشاركة سورية، ثم بمباركة مصرية او سعودية او قطرية..وعلى الدوام، كانت “الأم الحنون” تنضم لاحقاً الى مثل هذه الصفقات، كصديق قديم للبنان، الذي كان، ولا يزال، واحداً من أبرز مراكز الثقافة الفرنكوفونية في العالم.

صداقة فرنسا للبنان وتصنيفه الفرنكوفوني، هما محل تقدير واحترام جميع اللبنانيين من دون إستثناء، حتى أولئك الذين لم تعد باريس “مربط خيلهم”، أو استراحتهم في الطريق الى واشنطن. لكن ترجمة تلك الصداقة في الحيز السياسي، سجلت في السنوات القليلة الماضية، او بالتحديد بعد انفجار مرفأ بيروت، الكثير من الاخفاقات التي لا تليق بفرنسا نفسها ولا بدورها اللبناني المنشود، الذي كان دائماً يثير حنين لبنانيين كثيرين وتوقهم الى تحقيق بعض التوازن المفقود مع الادوار الاميركية او السورية اوالعربية عموماً.

بعد انفجار مرفأ بيروت، انفجرت باريس غضباً وخوفاً وعطفاً على لبنان، وأطلق الرئيس ايمانويل ماكرون خطاباً صارخاً بالحاجة الى تغيير جذري للنظام اللبناني، الطائفي، المتخلف والفاسد، وهو خطاب لم يصمد سوى بضعة ايام، وقد تلاشى تماما بعدما جلس رئيس فرنسا في قصر الصنوبر حول طاولة واحدة مع كبار أعضاء المافيا السياسية اللبنانية، وسمع من أحدهم اعتراضاً او على الاقل تحفظاً صريحاً على أي خطة لاصلاح النظام اللبناني في هذه المرحلة. ومنذ ذلك الحين، غاب ماكرون عن السمع وسقطت المهل والشروط التي حددها للشروع في ذلك الاصلاح. ولم يبق من جدول اعمال فرنسا اللبناني سوى مفاجأة ترشيح سليمان فرنجية للرئاسة، بخلاف رأي الغالبية النيابية والشعبية اللبنانية، وبعكس وجهة نظر واشنطن والرياض والقاهرة والدوحة.

وبناء على هذا الترشيح، تسلى عدد من المسؤولين والدبلوماسيين والخبراء الفرنسيين طوال العامين الماضيين بالزيارات والمشاورات والاستكشافات، والاجتماعات الرباعية ثم الخماسية، بلا جدوى، وبلا أثر يذكر، وسمعت باريس موقفاً مباشراً من الغالبية المسيحية اللبنانية، ومن الاميركيين والسعوديين والقطريين..الذين لم يفهموا حتى الآن سبب ارتهان فرنسا للمرشح فرنجية، حتى ولو كان الأمر، جزءاً من مخطط باريس الاقليمي، القائم على تحويل بيروت ومرفئها الى قاعدة استراتيجية لبرنامج اعادة اعمار سوريا، ولمصالحة الرئيس بشار الاسد، والى منصة لتحقيق المزيد من الانفتاح على ايران واقتصادها، وهو ما شهد في الاسابيع القليلة الماضية خطوات جوهرية تلغي جميع أسباب الخلاف والتباعد بين باريس وطهران، آخرها تبادل الافراج عن سجناء وأموال، وإلغاء المؤتمر السنوي للمعارضة الايرانية، الذي ظل طوال العقدين الماضيين ينعقد على الاراضي الفرنسية وحدها.

يوصف الموفد الفرنسي أنه رجل صريح، خبير، محنك، حاد اللهجة. لم يشرح أحد في باريس ما الذي “يستطلعه” في مهمته الحالية في بيروت، وما الذي فات المسؤولين والدبلوماسيين الفرنسيين الذي لم ينقطعوا عن “استطلاع” آراء مختلف القوى السياسية اللبنانية؟ ولم يردّ أحد على السؤال عما اذا كان لودريان أرسل الى بيروت للمشاركة في حملة فرنجية الانتخابية، التي جمعت حتى الآن 51 صوتاً ، أم أنه يريد الاعلان عن أن باريس لم تعد تدعم، “بشدة”، مرشحها المفضل للرئاسة اللبنانية، وتميل الى مرشح بديل..تطرحه على بقية أعضاء اللجنة الخماسية.

حتى ولو كانت مهمة لودريان، مجرد سياحة دبلوماسية، فإنها بلا شك لا تخدم موسم السياحة الصيفية في لبنان.. الذي يحتمل تأجيل انتخابات الرئاسة بضعة أشهر أو أعوام.

-المدن

Exit mobile version