خاص الهديل:
أجرى حزب الله خلال هذا العام أكثر من مناورة عسكرية؛ بعضها كان معلناً، وبعضها الآخر جرى بعيداً عن الإعلام رغم أن كثيراً من الأطراف واكبتها واستشعرت بها.
لعل مناورة عرمتى كانت الأهم لكونها جرى استباقها بحملة إعلامية سلطت الأضواء عليها. وبنظر مراقبين عسكريين فإن مناورة عرمتى أرادت إيصال رسائل متعددة ولجهات مختلفة. غير أن أبرز رسالة طيرتها مناورة عرمتى هي أمرين اثنين:
الأمر الأول يتعلق بتسليط الضوء على أن الترسانة الاستراتيجية الجديدة التي أدخلها حزب الله إلى معادلته العسكرية ضد إسرائيل هي المسيرات من أنواع مختلفة وأجيال عديدة.
لقد طير الحزب خلال مناورة عرمتى بعض النماذج من المسيرات التي يملكها؛ وبالتزامن أقفل الحزب سماء المناورة بساتر من التشويش الإلكتروني والسيبراني..
إن هذا التطور (المسيرات) الذي أبرزه حزب الله في مناورة عرمتى، تكمن أهميته من وجهة نظر محور الممانعة، وتكمن خطورته من وجهة نظر إسرائيل، في أن ترسانة المسيرات التي دخلت الخدمة الفعلية في فعاليات حزب الله العسكرية، إنما تعكس أن الحزب في تسليحه وبناء قوته، يقوم بمواكبة تطور موقع سلاح المسيرة داخل الجيل الجديد من الحروب، وذلك كما أبرزته وتبرزه حرب أوكرانيا التي تشارك فيها مسيرات إيرانية الصنع تم وضعها بين يدي القوات الروسية.
والواقع أن ما تقدم أعلاه يعني أن حزب الله بات يملك مسيرات من صنع إيراني تم ويتم تجريبها في الحرب الأوكرانية التي يتسم أهم عامل عسكري استراتيجي فيها، بأنها تتبع تكتيكات تتمثل بأنها تدمج بين قوة نار الصواريخ الدقيقة والمسيرات الموجهة.. وعليه فإن الحزب في أية حرب مقبلة مع إسرائيل لم يعد يعتمد فقط على الصواريخ الدقيقة التي تطالب إسرائيل بنزعها لأنها تشكل قوته الاستراتيجية التي تهدد الأمن الاستراتيجي الإسرائيلي، بل أيضاً بات يعتمد (أي الحزب) على المسيرات التي تؤدي إلى جانب الصواريخ الدقيقة، أدوار هجومية استراتيجية إضافية – وهي كاسرة لخطوط دفاع العدو – مثل “قوة النار الكثيف” و”إمكانية التجسس” و”رصد الأهداف والاستطلاع الجاري”.
الأمر الثاني الذي برز في مناورة عرمتى والذي يمثل التطور الإستراتيجي العسكري في ترسانة حزب الله، هو قوة الرضوان أو “وحدة الرضوان” أو “فرقة الرضوان”.
وتجدر الإشارة في هذا المجال إلى أن وحدة الرضوان تضم عناصر النخبة العسكريين في حزب الله؛ وهي قامت بعمليات عسكرية واسعة في سورية وفي مناطق خارج لبنان. وتمتاز وحدة الرضوان بأنها اكتسبت خبرة قتالية برية كبيرة من خلال مشاركتها الفعالة في الحرب السورية وحروب جرود القلمون ضد النصرة وداعش.. وإعلامياً على الأقل، يتم النظر إلى قوة الرضوان بوصفها قوة هجومية وليست دفاعية فقط؛ وبوصفها القوة التي ستوكل إليها في أية حرب قادمة مهمة السيطرة على مستوطنات تقع داخل الجليل الفلسطيني المحتل.
وبحسب ما يقوله الإعلام الإسرائيلي نقلاً عن مراتب عسكرية وأمنية إسرائيلية عليا، وأيضاً بحسب تحليلات خبراء عسكريين واستراتيجيين عرب وغربيين؛ فإن حزب الله أراد عبر إبراز قوة الرضوان خلال مناورة عرمتى، إظهار عدة نقاط إستراتيجية منها القول أن الحزب أصبح يملك قوة عسكرية هجومية برية، وليس فقط قوة حرب عصابات فعالة وقوة مقاومة دفاعية.
والواقع أن هذه الرسالة موجهة للمنطقة وللداخل وبالأساس لتل أبيب؛ ومفادها أن الحزب بعد تطورات حروب المنطقة من اليمن إلى العراق فسورية وحتى غزة والتي ساهم فيها بأشكال متعددة، يعتبر نفسه أنه أنجز نقلة نوعية على مستوى “تحديث صياغة مفهوم الحزب لدوره العسكري والاستراتيجي”؛ بمعنى أن حزب الله لم يعد يعتبر نفسه فقط قوة مقاومة عسكرية، بل بات أيضاً قوة عسكرية وسياسية شريكة في “مهمة تثبيت التوازنات العسكرية الاستراتيجية في المنطقة”.
ومن هنا يجب قراءة إطلاق عشرات الصواريخ من لبنان إلى الداخل الفلسطيني على خلفية أحداث القدس قبل أشهر.. ومن هنا يجب قراءة إرسال مسيرات إلى قرب منصات انتاج الغاز الإسرائيلية قبالة الناقورة.. وأيضاً من هنا يجب قراءة مناورة عرمتى.. فكل هذه التحركات تريد الإشارة إلى أن حزب الله انتقل لمرحلة أنه قوة يجب احتسابها في توازنات المنطقة العسكرية الاستراتيجية..
وتريد رسالة عرمتى من ناحية أخرى القول أن حزب الله لم تستنزفه مشاركاته في الحروب التي خاضها على مدار العقد الأخير خارج لبنان؛ بل أدت إلى منحه خبرة عسكرية هجومية لم تكن موجودة لديه قبل العام ٢٠١٣ (موعد ذهابه للقتال في سورية)؛ كما أكسبت الحزب خبرات قتالية واسعة، وأدت إلى تنويع ترسانته العسكرية، لتصبح الصواريخ الدقيقة واحدة من سلاحه الاستراتيجي وليس كل سلاحه الاستراتيجي الذي بات يضم المسيرات الجوية، ووحدات النخب القتالية البرية الاستراتيجية التي تعتبر وحدة الرضوان تاجها، الخ..
كما أن مشاركة الحزب في حروب جرت في المنطقة خلال العقد الأخير، جعلته ليس فقط مستوعباً لأنواع من الأسلحة تصدرها إيران إليه بل أيضاً وبالأساس مركباً شريكاً في الخبرة العسكرية التي حصلتها إيران خلال هذه الحروب على مستوى استخدامات سلاحها؛ بمعنى أن أسلحة الصواريخ والمسيرات التي دفعت بها طهران إلى ساحات القتال كان الحزب شريكاً في إدارتها كونه كان موجوداً في الميادين التي عملت بها هذه الأسلحة الإيرانية.
وخلاصة القول هنا هو أن مناورة عرمتى في توقيتها جاءت مع بدء مرحلة انخراط طهران ودمشق في تسويات تصفيير المشاكل في المنطقة، ومع بدء انتهاء دور حزب الله في الحروب التي اندلعت في دول عربية عدة؛ وعليه فإن الحزب من خلال مناورة عرمتى التي اعتمدت بشكل علني إبراز ثلاثية “المسيرات” و”وحدة الرضوان الهجومية” و”الصواريخ الدقيقة”، أراد القول أن مهامه العسكرية في المنطقة انتهت، ولكنه دخل عصر حضور ثقله العسكري داخل توازنات المنطقة الاستراتيجية؛ ومع هذا التطور اقتضى توضيح نقطة مهمة – طبعاً من وجهة نظره – وهي أن الحزب انتقل إلى داخل إطار مفهوم استراتيجي جديد لصورته وموقعه ودوره..