يوزّع الموظّف السعودي عامر عبدالله وأبناؤه الخمسة أكواب الشاي بالحليب الدافئ وقطع الخبز الطازجة ليلا على الحجّاج المنهكين، في تقليد يعتبره “شرفا” تتناقله الأجيال في مكّة المكرّمة.
ومع بدء توافد الحجّاج لأداء مناسك الحجّ التي تنطلق الأحد، أعدّ عبدالله، 45 عاما نفسه لخدمتهم، ويقول قرب المسجد الحرام “خدمة الحجّاج شرف لا يُضاهيه شرف لأهل مكّة”.
ويضيف “أهل مكّة هذه الأشياء طبيعيّة عندهم. والدي فعل ذلك وأهلي فعلوه والآن أفعله وأحاول أن أعلّم أبنائي”.
ويتابع الرجل الذي ارتدى ثوبا أبيض تقليديا والعرق يتصبّب منه أنّه “شرف تتوارثه الأجيال هنا”، قبل أن يناول رجلا عجوزا كوب شاي وزجاجة مياه.
ومنذ منتصف النهار، يعدّ عبدالله وأبناؤه دالات الشاي الساخن وأباريق الحليب ومئات قطع الخبز وزجاجات المياه وأكوابا صغيرة مصنوعة من الورق المقوّى.
ويضع عبدالله هذه المؤن في أكياس بلاستيكيّة مُحكمة الغلق، ويتمركز يوميا في الشوارع المحيطة بالمسجد الحرام التي تفيض بالحجّاج من الجنسيّات كافّة.
ويقف مع أبنائه أمام فندق وينادي “شاي شاي”، ليتجمّع حوله الحجّاج المتعبون ومعظمهم من البسطاء بعد يوم طويل مليء بالعبادة والصلاة في جوّ حارّ وخانق.
والحجّ عادةً ما يكون أحد أكبر التجمّعات الدينيّة السنويّة في العالم، وهو من بين أركان الإسلام الخمسة ويتوجّب على كلّ مسلم قادر على تأديته، أن يقوم به مرّةً واحدة على الأقلّ.
وفي عام 2019، شارك به حوالى 2,5 مليون مسلم من جميع أنحاء العالم. وبعد 3 سنوات من تنظيم حج محدود على خلفية تفشي كوفيد-19، وصل أكثر من 1,6 مليون حاج من خارج السعودية، حسب الأرقام الرسمية الصادرة الخميس.
والكثير منهم حجاج بسطاء من دول إفريقية وآسيوية يدّخرون لسنوات طويلة للقيام بالرحلة المقدسة.
ويجد هؤلاء الحجاج غايتهم في ما يوزعه عبدالله وآخرون ممّن يواظبون على هذه التقاليد التي تعكس الكرم المعروف عن أهل الجزيرة العربية.
وفي أرجاء مكة، ينتشر شباب يوزعون وجبات من الأرز والدجاج أو اللحم مجانا على الحجاج الذين يصطفون في طوابير طويلة لاستلام حصصهم.
وقبل عصر الفنادق التي تزدحم بها مكة الآن، والكثير منها فاخر جدا، كانت الأسر المكّيّة تستضيف الحجاج في بيوتها وتوفّر لهم الإعاشة اللازمة طيلة فترة الحج، في تقليد استمرّ عقودا.
لكنّ السلطات السعودية باتت تحظّر ذلك، لتفادي أي مشكلات أو أداء حجاج للحج بلا تصريح رسمي.