الهديل

خاص الهديل: ماكرون يكتشف أن الحل بالتقاطع مع واشنطن في لبنان وليس مع حارة حريك..

خاص الهديل:

النظرية التي قالت ان ما قبل زيارة المبعوث الفرنسي لودريان إلى لبنان لن تكون كما قبل زيارته؛ أصيبت بفشل كبير؛ حيث يتبين الآن ان لودريان جاء إلى لبنان مستطلعاً، وعاد منه من دون توصله لفكرة واضحة عن الحل المنشود والممكن تحقيقه. 

وبكل الأحوال فإن أهمية زيارة لودريان – إن كان لها اهمية – يمكن البحث عنها ليس داخل ما توصلت إليه من نتائج، بل داخل المعاني السياسية التي تركتها.

..والمقصود هنا نوعان من النتائج السياسية تمخضت عنهما زيارة لودريان: 

النوع الأول يتمثل بشخص لودريان ذاته الذي تكمن أهميته في نجاحه حينما كان وزيراً للدفاع بعقد صفقات أسلحة رابحة لبلده مع السعودية.. ومنذ ذلك الوقت فإن شخصية لودريان تمثل لمجتمع النخب في باريس فكرة أنه “فرصة لجني الربح”. 

..وعليه؛ هناك قناعة بين لبنانيين وثيقي الصلة بباريس، بأن هدف ماكرون من تعيين لودريان موفداً إلى لبنان، ليس بالأساس رهانه عليه لإحداث إختراق في الأزمة اللبنانية، بل للإفادة من رصيده الإيجابي الداخلي في فرنسا. 

وهناك حالياً نقاش داخل البيئة المحيطة بماكرون، كما تنقل جهات لبنانية مقيمة في باريس، وذلك حول صوابية فكرة قرار زيارة لودريان؛ حيث يوجد فريق ينتقد الزيارة تحت عنوان أنه لم يتم التحضير لها بشكل جيد؛ وكأن ماكرون أراد إرسال لودريان إلى لبنان ليقول أنا لا زلت موجوداً داخل معادلة حل الأزمة اللبنانية، رغم نقل مقر اجتماعات اللجنة الخماسية الإقليمية- الدولية من أجل لبنان من باريس إلى الدوحة. 

النوع الثاني من النتائج السياسية التي تركتها زيارة لودريان إلى لبنان، تؤكد على معادلة غاية في الأهمية، وصار مطلوباً استخلاصها؛ وهي أن وجود تناغم سياسي بين باريس وحارة حريك على شكل ومضمون الحل في لبنان؛ هو عامل لا يعتبر كافياً لحل الأزمة في لبنان، أو حتى لوضع أزمة لبنان على سكة الحل. 

وبخصوص هذه الجزئية المفصلية الخاصة بتفكير السياسة الماكرونية تجاه لبنان، تجدر الإشارة إلى أن ماكرون اعتبر – وربما لا يزال – أن التوافق مع حارة حريك وتلبية شروط نصر الله، سيفتح الطريق أمام نجاح مبادرته في لبنان.. ومن هنا سارت الإليزيه بدعم ترشيح فرنجية؛ وقبل ذلك سارت بتأييد نظرية انه على رئيس الحكومة المكلف أن يتوافق مع جبران باسيل حليف حزب الله آنذاك. حتى يصبح ممكناً تفكيك عقد تشكيل الحكومة. ولكن ماكرون يكتشف اليوم ان التفاهم مع حزب الله على الحل في لبنان، لا يؤدي إلى تذليل كل المصاعب الجوهرية بوجه الحل؛ بدليل انقلاب المسيحيين على ترشيح فرنجية عبر تقاطعهم على فكرة ترشيح أزعور.. وهذا الانقلاب ليس فقط ضد فرنجية، وضد الثنائي الشيعي، بل أيضاً ضد الإليزيه التي كانت عملياً ضمن المحور القائل بأن فرنجية هو الحل لإنهاء الشغور الرئاسي.

ومن بين كل الزيارات التي قام بها لودريان في لبنان تظل الأهم زيارته لقائد الجيش العماد جوزاف عون.. فلقد حملت هذه الزيارة معان عدة أبرزها أن الموفد الرئاسي الفرنسي الموجود في لبنان بمهمة إنهاء الشغور الرئاسي، لم يكن لديه سبباً لزيارة قائد الجيش، إلا لأنه يرى فيه مرشحاً للرئاسة من جهة، ويرى فيه من جهة ثانية، وهذا هو الأهم، نقطة تقاطع رابحة لفرنسا مع أميركا، بدل الإستمرار بالتمسك بالنقطة الخاسرة المتمثلة بدعم فرنجية.

وقد أكمل تصريح الرئيس نبيه بري معنى زيارة لودريان إلى العماد جوزاف عون، وذلك حينما قال في توصيفه لمواقف الدول من المرشحين لرئاسة الجمهورية “أن الأميركيين هم مع ترشيح قائد الجيش؛ ولكنهم يتعاملون مع أي رئيس يتم انتخابه”. والمهم في تصريح بري هو الإفصاح عن موقف الأميركيين الإيجابي من ترشيح العماد عون؛ ما يفسر لماذا زاره لودريان؛ علماً أن بري يريد من تصريحه التركيز على الجزء الثاني من فحواه، وهو أن الأميركيين يتعاملون مع من يتم انتخابه.. 

والواقع أن الجديد في زيارة لودريان، هو الاستنتاج الكبير الذي تكون لدى الأخير، ومفاده أن تقاطع باريس في لبنان يجب أن يكون مع واشنطن حتى يمكن إيجاد الحل؛ أما تقاطع الإليزيه مع حارة حريك، فهو يوفر لسياسة ماكرون في لبنان “امتيازات تكتية” مهمة لمصالح فرنسا في لبنان، ولكنها ليست كافية لإنتاج استراتيجية الحل المحتاج لتقاطع فرنسي أميركي، وبنفس الوقت إلى تفاهم يجمع الأميركيين مع حزب الله..

Exit mobile version