الهديل

خاص الهديل: قصة نصر الله وعون: لماذا تحالفا ولماذا افترقا؟؟

خاص الهديل:

رغم أن عُمر علاقة التحالف بين حزب الله الطرف الأقوى شيعياً، والتيار الوطني الحر الطرف الأكبر مسيحياً، قارب العقدين من الزمن؛ إلا أن الطرفين لم ينخرطا في حوار عميق حول توحيد نظرتيهما للعناوين اللبنانية العميقة كالميثاقية والصيغة والتعايش السياسي بين الطوائف ومستقبل فكرة لبنان ضمن متغيرات المنطقة، الخ…

..وعلى مستوى هذا الجانب، فإن العلاقة بين العونيين وحزب الله، لم تقدم للتجربة اللبنانية أية فكرة إضافية، ولم تعط لمستقبل البلد أية إضافة بنيوية، بل أفاد منها الطرفان سياسياً وخلال ظرفية محدودة .. والأسباب التي أدت إلى هذه النتيجة هي أسباب مركبة، ويمكن وصف جانب أساسي منها في السطور التالية: 

الواقع أن اتفاق مار مخايل لم يؤسس لعلاقة بين بيئتين شعبيتين، ولا حتى بين حزبين، بل كان مجرد علاقة بين شخصين كانا في لحظة صعود نجميهما داخل طوائفهما، وهما الجنرال ميشال عون الباحث عن منصة داخلية قوية توصله لرئاسة الجمهورية، والسيد حسن نصر الله الباحث عن غطاء مسيحي لحماية مشروع المقاومة داخل النظام السياسي اللبناني. 

وحين إبرام اتفاق مار مخايل لم يجد الرجلان أن هناك حاجة لجعل اتفاقهما اتفاقاً بين قواعدهما الشعبية طالما أن هاتين القاعدتين منقادة منهما وجدانياً، بأكثر مما هي مشاركة في صناعة الحدث سياسياً..

والحق يقال أنه خلال لحظة إبرام اتفاق مار مخايل كان الجنرال عون في عز ثقة قاعدته الشعبية به، ولم يكن بحاجة لإقناعها بصوابية خياراته؛ ونفس الأمر بالنسبة للسيد حسن نصر الله. 

وكان تم خلال العقدين الماضيين إثارة الكثير من “البخور الإعلامي” حول العلاقة بين السيد والجنرال، فتم تصويرها على أنها علاقة فيها سِمة القدسية، وأنها تدار بين شخصين استثنائيين، وليس بين مجرد زعيمين أو سياسيين. 

..ولكن سرعان ما تبين لبيئة حزب الله أنه لا عون، ولا بالتحديد صهره المدلل باسيل، هما قديسان؛ كما سرعان ما تبين للبيئة العونية أن نصر الله لديه في تحالفاته أولويات سياسية يوجد فيها لنبيه بري مرتبة متقدمة على المرتبة المخصصة لعون، ويوجد فيها لسليمان فرنجية مرتبة متقدمة على المرتبة المخصصة لباسيل. 

والخطوة الأولى في رزنامة ظهور الخلاف بين التيار البرتقالي والحزب، بدأ على نحو “صدمة” اعترت بيئة كل من الطرفين تجاه الآخر.. وكانت هذه المرحلة هي الأصعب على عون وعلى نصر الله، لأن اتفاق مار مخايل كان يعكس صورتهما في نظر محازبيهما، كقائدين ملهمين وضع كل منهما كفه بكف الآخر؛ وكانت هذه الصورة هي مصدر عظمته، ولم تكن عظمته هي بما يجسده من معنى سياسي وصل لقواعد الطرفين.

 ..ولذلك، فإن كلاً من عون ونصر الله شعر للحظة أن انهيار اتفاق مار مخايل سيعني بالنسبة لقواعدهما أن هناك نقص ببصيرة صانعي هذا الاتفاق.. 

ولكن مع الوقت، وبشكل اعتمد التمرحل في إظهار منسوب الخلاف بين الطرفين، عمت القواعد العونية وحزب الله حالة من اعتياد الصدمة من بعضهما.. وبكلام أدق عمت بينهما حالة الاعتياد على التعايش مع الخلاف بينهما؛ والاعتياد على التعايش مع فكرة أن اتفاق مار مخايل ليس “عهداً مقدساً” بل هو “اتفاق مصالح سياسية” قد يستمر وقد ينتهي؛ وأنه أيضاً ليس اتفاقاً بين ملائكة وقديسين، بل بين سياسيين لديهم ما يفرقهم، بمثلما أنه لديهم ما يجمهم.

وفي مرحلة الاعتياد هذه، سقطت الهالة التي تم إحاطة اتفاق مار مخايل بها من قبل كل من نصر الله وميشال عون، وصار اتفاق مار مخايل مجرد “مخلوق سياسي” يسير من دون أن تسير فوق رأسة دائرة القداسة..

على أنه داخل كواليس شيعية يوجد نقاش ومفاضلة بين “تجربة التحالف بين الجنرال ميشال عون والسيد حسن نصر الله، وبين “تجربة العلاقة الوثيقة” بين اللواء فؤاد شهاب والسيد موسى الصدر..

وتقود هذه المفاضلة أصحابها إلى استنتاجين أساسيين: 

الأول يقول أن علاقة فؤاد شهاب مع الإمام الصدر قامت على فكرة توسيع القاعدة الاجتماعية للدولة عبر إضافة الشيعة إليها، وذلك من خلال ايصال خدمات الدولة إلى مناطقهم، ومن خلال تشجيع انخراطهم في مشروع الدولة التي كانت غائبة عن مناطقهم بفعل سياسة عدم التوازن في الإنماء الوطني التي اتبعتها العهود المارونية السابقة لعهد شهاب.

الثاني وهو استدراك للأمر الأول، ومفاده أن تجربة الصدر – شهاب كانت أفضل في نتائجها على المستوى الوطني وعلى المستوى المسيحي الشيعي من تجربة تحالف نصر الله – عون .. فالتجربة الأولى وضعت الشيعة على طريق الخروج من الحرمان، ومكنت مشروع شهاب الماروني الإصلاحي من توسبع قاعدة مشروع الدولة الاجتماعي.. فيما تحالف نصر الله – عون أصاب طرفيه والبلد بخسائر كبيرة..

والسؤال الكبير هو من المسؤول عن فشل تجربة مار مخايل؟؟ 

ربما الإجابة الأقرب للمنطق، هي تلك التي تقول أن التيار العوني ليس حزباً سياسياً بالمعنى الفعلي، بقدر ما هو “حزب نيل رئاسة الجمهورية”.. وعليه، فإن معنى “اتفاق مار مخايل” عند عون وباسيل كان يعني أمراً واحداً، وهو توظيفه في خدمة ايصالهما لرئاسة الجمهورية؛ وعندما انتفت هذه الوظيفية لاتفاق مار مخايل، أدار العم والصهر ظهريهما له!!..

Exit mobile version