الهديل

خاص الهديل: عدو الطوائف غياب الدولة المركزية: الفيدرالية مفهوم ضد فكرة لبنان..

خاص الهديل:

خرج لبنان من الحرب بعِبر كثيرة، ولكن يظل أهمها عدد قليل من الإستنتاجات التي بات لها شكل القناعات الثابتة:

القناعة أو العبرة الأولى هي أن الحرب الأهلية يمكن أن يبدأها طرف لبناني أو أطراف لبنانية؛ ولكن فور انطلاقها تصبح لعبة خارجية، ويصبح الأطراف اللبنانية أدواتها ووقودها. 

ثاني عبرة أو استنتاج هو أنه في الحروب الأهلية ليس هناك رابح وخاسر، بل هناك خاسرون؛ أو ربما بأحسن الأحوال “خاسر أقل” و”خاسر أكثر”؛ ولكن بكل الأحوال ليس هناك “رابح” ولا “رابح أقل” أو “رابح أكثر”. 

ثالث استنتاج، وهو ما يجب التوقف عنده في هذه المرحلة؛ مفاده أن الحرب الأهلية تبدأ تحت عنوان معين، ولكنها مع الوقت تتحول إلى عناوين أخرى كثيرة وجديدة ومتتالية: فمثلاً بدأت الحرب الأهلية في لبنان بين المسيحيين من جهة والفلسطينيين وحلفائهم اللبنانيين اليساريين من جهة أخرى؛ ثم تحولت إلى حرب بين المسلمين والمسيحيين؛ ثم تحولت إلى حرب بين المسيحيين والمسيحيين، وأيضاً بين المسلمين السنة والمسلمين الشيعة، وبين الشيعة بعضهم ضد بعض وأيضاً بين الدروز والسنة، الخ..  

وتجدر الإشارة إلى أن اقتتال الطائفة فيما بينها، حصد من الأرواح أكثر بكثير من الأرواح التي زهقت بفعل الحروب بين الطوائف.. 

..وعليه فإن إحدى عبر الحرب الأهلية الأساسية والقاتمة، تفيد أنه حينما تغلق أية طائفة حدودها على نفسها، فإن الحرب الأهلية ستنتقل إلى داخل صفوفها؛ كما حدث في المناطق الشرقية المسيحية حينما أغلقت حدودها على نفسها، وأيضاً في الضاحية، وفي الجنوب، الخ.. 

ويتوجب في كل وقت مراجعة هذه العبرة، خاصة حينما يتعالى فيه صوت المطالبين بالتقسيم أو بالفيدرالية الموسعة والكاملة أو بأي شكل ينتمي إلى نمط ما دون الدولة المركزية. 

وخلاصة القول هنا هو أن لبنان بلد يحتاج لوحدته الجغرافية والديموغرافية والسياسية والثقافية حتى يمكن لطوائفه العيش بسلام اجتماعي وسياسي وأمني وديني.. 

وفي كل مرة تدير فيها طوائف لبنان ظهرها للتوحد تحت سقف دولة مركزية، لمصلحة بناء مجتمعات مستقلة أمنياً أو اقتصادياً أو سياسياً، تنشب داخل هذه المجتمعات حروب داخلية بين مكوناتها. والسبب في ذلك أن مبرر فكرة لبنان هي تعايش طوائفه، وحينما تنهار هذه الفكرة، فإن الطوائف تصبح ذات مفهوم قبلي بدائي، وتصبح عبارة عن أفخاذ متصارعة فيما بينها، وتفقد هويتها كمجتمع مدني حضاري.

وما تقدم يؤكد أن لبنان حالة خاصة؛ فهو حالة خاصة كفكرة موجة في بلد يشبهها؛ وهو حالة خاصة كطوائف تستمد أمنها من التوازن فيما بينها ومن التفاعل الإيجابي بينها؛ وليس من استقواء طائفة على أخرى، أو من استقلال أي طائفة بذاتها..

..وعليه فإن قيام البعض بإعطاء الفيدرالية في دول أخرى، بوصفها نموذجاً لما يجب أن يحصل في لبنان؛ هو خطأ شائع؛ لأن لبنان هو فكرة بلد؛ وتمايزه يكمن في أن فكرته ليس لها شبيه بين دول العالم؛ وفي أن فرادة لبنان لا تعود إلى أنه مميز بموارده، بل إلى كونه مختبر للتعايش داخل منطقة الشرق الأوسط.. وحينما لا يعود لبنان يمثل هذه الفكرة في منطقته، ينتفي مبرر وجوده، وتصبح طوائفه مجتمعات قبلية، وليست رسالات ثقافية وحضارية.

Exit mobile version