خاص الهديل:
لا يزال المستوى الأمني في إسرائيل يناقش عملية إطلاق الصاروخين من جنوب لبنان باتجاه بوابة الحراسة في قرية الغجر التي ضمت إسرائيل القسم اللبناني الشرقي منها قبل فترة وجيزة.
واللافت أن النقاش الأمني في إسرائيل حول حادثة إطلاق الصاروخين أول من أمس، يتخذ بعداً استراتيجياً من المنظور الإسرائيلي، رغم أن الحادثة بحد ذاتها صغيرة ومحدودة.
وما يجعل هذا النقاش ينحو كي يصبح إستراتيجياً، يعود سببه إلى أن محللين إسرائيليين أمنيين كباراً، يفضلون النظر إلى حادثة إطلاق الصاروخين من منظار صلتها بنظرية تآكل الردع الإسرائيلي من ناحية، وارتباطها من ناحية ثانية بمرحلة تسويات حدودية برية وبحرية قادمة قريباً بين لبنان وإسرائيل!!
ويقول أصحاب هذه النظرية أنه بات صعباً على المستويين السياسي والأمني في إسرائيل الفصل بين الأحداث؛ فالتجارب تثبت أن هناك ترابطاً بين سياق التطورات التي تجري داخل مناطق العام ١٩٤٨ وبين بقية المناطق من سيناء حيث شن جندي مصري عملية ضد موقع إسرائيلي، وفي جنين ومناطق أخرى من الضفة الغربية، وأيضاً سقوط صاروخ سوري مضاد للطائرات في النقب إثر إطلاقه خلال غارة إسرائيلية على دمشق، إضافة إلى اطلاق صاروخين من لبنان باتجاه الغجر المحتلة…
ويرى أصحاب نظرية الربط بين الأحداث الجارية ضد إسرائيل على جبهات مختلفة، أن حكومة نتنياهو دخلت في كمين استنزافها عسكرياً ونفسياً، وذلك عبر لعبة تحريك خيوط عسكرية تبدو في الظاهر أنها غير مترابطة وأنها متناثرة، ولكن في العمق فإن هناك مايسترو يقوم بتحريك كل هذه الخيوط والأحداث؛ وبأحسن الاحوال فإن هناك خطة متفق عليها، وتؤدي هذه الخطة دور المايسترو؛ بحيث لا يظهر الفاعل الحقيقي الذي يوجه كل الجبهات.
وقد قرأ أصحاب نظرية الأحداث المترابطة إطلاق الصاروخين أول أمس من لبنان على النحو التالي:
أولاً ان حزب الله يقف وراء إطلاقهما حتى لو كانت الجهة التي نفذت العملية هي مجموعة فلسطينية. ومن الأدلة التي يقدمها هؤلاء لإثبات أن الحزب هو المخطط والمحرض، الإشارة إلى أن إطلاق الصاروخين جاءا بعد وقت قليل من إصدار حزب الله بياناً يحذر فيه من نتائج إقدام حكومة نتنياهو على ضم المنطقة الشرقية من قرية الغجر المعترف بلبنانيتها من قبل الأمم المتحدة.
..وضمن هذا السياق، يبدو واضحاً أن الصاروخين هما رسالة متعددة الأهداف من قبل الحزب؛ ومن بين أهدافها إظهار التضامن مع تطورات مخيم جنين؛ وأيضاً تحذير إسرائيل من مغبة ضمها لتلك المنطقة اللبنانية من الغجر؛ خاصة وأن أحد القذيفتين كانت عبارة عن صاروخ موجه، ما يؤشر إلى أن الحزب يقول لنتنياهو أن خطوته بضم الغجر ستفتح على جيشه حرب استنزاف في منطقة الغجر.
الأمر الثاني الذي طرحه أصحاب نظرية الأحداث المترابطة، كان موجهاً هذه المرة لنتنياهو نفسه، ومفاده هو لماذا أقدم الأخير في هذه اللحظة على ضم الجزء اللبناني من قرية الغجر إلى إسرائيل.
وبحسب وجهة نظرهم فإنه يوجد سبب أساسي قاد نتنياهو لأخذ هذا القرار؛ ومفاده يعود إلى وجود حراك دولي غير معلن وخفي لتحريك ملف ترسيم الحدود اللبنانية البرية بين لبنان وإسرائيل كاستكمال لترسيم الحدود البحرية.. وأيضاً يتم النظر إلى ترسيم الحدود البحرية كضمانة تقدم للمستثمرين في غاز لبنان بأن المواجهات العسكرية بين إسرائيل وحزب الله انتهت كون لم يعد هناك خلاف حدودي بين لبنان والكيان العبري.
وما التفت إليه نتنياهو هو واقع أن منطقة الغجر تقع على مثلث الحدود اللبنانية السورية الإسرائيلية، ولذلك فهو – أي نتنياهو – يريد إبعاد ملفها عن التحريك المرتقب لمسألة الحدود بين إسرائيل ولبنان، كون الغجر بشقيها اللبناني وغير اللبناني، تقع في منطقة ذات بعد استراتيجي سوري، وعليه فإن ملف التفاوض بشأنها سيكون ضمن ملف التفاوض اللاحق مع سورية وضمن ملف تخطيط كل منطقة مثلث الحدود بين لبنان وسورية وفلسطين المحتلة. ونظراً لتداخل العامل السوري بموضوع الغجر، فإن حزب الله اكتفى بالتنبيه لما فعلته إسرائيل ولم يتخذ موقفاً تصعيدياً عسكرياً؛ أما ذهاب الحزب إلى تصعيد أكبر، فدونه حسابات تتعلق بسورية وتتعلق بموقف الحزب مما هو قادم من تسويات ستشمل الغاز والبر وأيضاً النظام السياسي اللبناني.. وكل هذه الملفات الآتية، يقود حزب الله إلى الانتظار لمعرفة كيف سيوزع أوراقه على طاولة التفاوض الدولية، وبالمقابل فإن كل هذه الوقائع القادمة جعلت نتنياهو يقوم في هذه اللحظة ضم القسم اللبناني من الغجر من دون أن يخشى من حدوث ردة فعل قوية من الحزب الذي لديه رغبة بانتظار وصول قطار التسويات ليعرف ما له وما عليه.