كتبت شيخة غانم الكبيسي:
هل المستقبل كان أجمل في الماضي؟
لم تبدأ حكاياتنا لتنتهي، ففي كل يوم لنا حكاية وقصص وروايات، تجارب سابقة تشبعت قلوبنا بغصاتها لتقسو، تجرعنا مرارتها ليستفيد اللاحقون، كما تلذذت أرواحنا بنقاء أفراحها التي سرت بعروقنا كالبلسم، منعشاً طرياً حدوثها كالندى، نتشدغ بحلاوتها حاملين رايات النصر العظيم، نتزاحم لنلحق بركب السعادة الأبدية، الهُلامية، فخلف أبوابها العتمة دوما ما تُشرق أنوار الصباحات الجميلة معلنة عن بدايات جديدة أجمل، وحكايات جديدة تنثر عطرها بممرات قلوبنا المُحبة للحياة، نستفتح على نسماتها، نستجمع قوانا الآيلة للتهالك لنبدو أقوى، نُقلب فيها صفحاتنا عبثاً، تتطاير أوراقنا بعد ان سطرنا بها مشاعر وتواريخ لأحداث قد لا تكون بذاك القدر من الأهمية ولكن مواقفها لامست فينا أمراً، أو احدثت بنا شرخاً، جهلنا فحواها وقت حدوثها، لكن الآن، وقد فهمنا أكثر مما تمنينا يوماً أن نفهم، تجلت لنا الحياة بإعوجاجها وقلة مروءتها، تعاركنا معها واضعين نصب اعيننا النصر أو الفناء، نجتر حكاياتنا لنُفاقم ما يحلو لنا ونطمس ما لا يروق لمسمعنا، نتشارك ملاحمنا الأرضية رغم اختلاف الادوات والأسلحة التي نتدجج بها إلا ان جراحنا مشتركة وآلامنا متشابهة كتشابهنا في صفاتنا الإنسانية رغم اختلاف طبائعنا البشرية.
نحاول جاهدين ترتيبها وهندمتها بالتقاط المبعثر منها من على طاولة أفكارنا التي تضيق فلا نجد بها منفذا لوضع قلم صغير، ثم فجأة تتمدد حتى لا تكفيها المساحات الكونية، لتسيطر على حاضرنا وتحرق المستقبل.
إنها خبراتنا المؤذية التي تلاحقنا فتؤرق سكوننا وتعيق تقدمنا، بالرغم من ثيابها الرثة إلا إنها ما زالت كحصان طروادة تخترق رؤوسنا لتذكرنا بما مضى، لنعود ادراجنا بعد ان حاصرتنا بمخاوفها واضعين أمامنا حواجز وهمية تؤكد قوتها الزائفة. حقيقة ابدية تتكرر نجتمع في بعض حقائقها ونختلف بالكثير منها ولكن لكل منا حقائقه المسيطرة، تبقيه رهينة لتمارس عليه ارهاب احتمالاتها، نضيع في حسابها ونتشتت عند ذكرها، لنبقى سجناء أسوارها التي نبنيها بأيدينا. حتى نيوتن ما كان ليقدر على قياس قوتها وحجم دمارها، رغم انها مشحونة بالعواطف والمشاعر إلا ان كتلتها المادية ليس لها وزن في مقاييسه. ولكن متى ستتوقف تلك التراكمات السامة، ونتخلص من هذه الأشلاء المتناثرة؟ قد تكون الإجابة بسيطة عندما نضع الماضي بمكانه الصحيح كتجربة ولت وخبرة نفعت، فهو مجرد ذكرى تراودنا لن نعطيها قيمة بتكرارها، كي لا تتحكم بنا، ويمكننا تجاهلها تماماً فنحن المسئولون عن حياتنا وأحداثها. ولأنك تدرك صعوبة الواقع فلن أخدعك بهذه الكلمات العقيمة، لأنه ليس هناك سبيل للانسلاخ من كل ما مضى، فما حدث سيبقى محفوراً إن لم تواجهه وتتقبل حدوثه، وتسامح أطرافه ممن أخطؤوا بحقك، لتتكيف مع ذراته وتتجاوز حالاته.
لذا أيقنا بما لا يدع مجالا للشك، بأن السعادة قرار نستمده من تجاربنا التي زادتنا عزيمة لا يخذلها موقف، وصلابة لا يكسرها ماض ولا يعكر صفوها حاضر، ولأننا ندرك أن ظلام النسيان نعمة لا يحققها إلا العظماء، فلن نبدأ معركة الماضي والحاضر كي لا نخسر المستقبل الذي سيصبح حاضراً قريباً، لأننا لا نريد ان نكون عظماء بقدر رغبتنا بأن نكون سعداء ولن تكون هناك نهايات جميلة لكل حكاياتنا ان لم تكن بداياتنا الجديدة حاضرة