الهديل

خاص الهديل: نتنياهو يعاني من “ضربة شمس أميركية”!!

خاص الهديل:

هناك عدم ثقة داخل إسرائيل بالرواية التي قدمها مكتب إعلام نتنياهو عن سبب اضطراره لدخول المستشفى على وجه السرعة ليلة السبت الأحد الماضيين.. وكانت هذه الرواية عزت السبب إلى تعرض نتنياهو للجفاف (ضربة شمس) نتيجة مكوثه لفترة طويلة تحت الشمس وعدم مراعاته لشرب كمية كافية من المياه وحماية رأسه من أشعة الشمس الحادة.. وسرعان ما أظهرت الفحوصات الطبية التي خضع لها نتنياهو في المستشفى أن لديه مشاكل في القلب وأن الأطباء زرعوا له جهازاً طبياً لمراقبة نبضات قلبه.

ويوم أمس خرج نتنياهو من المستشفى، ورغم إشاعة أجواء واسعة حول عدم معاناته من أي مرض مزمن، إلا أان ذلك لم يمنع اتساع دائرة الحديث داخل إسرائيل عن ضرورة بدء البحث عن بديل له في حال تفاقم مرضه، أو في حال غيابه لسبب ما عن المشهد السياسي.

والواقع أن خبر مرض نتنياهو ودخوله المستشفى، شكّل مناسبة للإفصاح عن رغبة موجودة داخل إسرائيل تتعلق بضرورة إخراجه من الحكم كأفضل وسيلة لحل الأزمة الداخلية المتفاقمة في إسرائيل!! ويدرك نتنياهو أن خلفية الكلام الذي برز خلال الساعات الأخيرة عن ضرورة إيجاد بديل له، لم يكن سببه دخوله المستشفى، بل البحث عن مناسبة تبرر إطلاق فكرة أن استقرار إسرائيل بات يحتاج إلى تغيير نتنياهو .. 

وبنظر أوساط يهودية واسعة داخل إسرائيل وخارجها، فإن وجود نتنياهو في الحكم، بات بشكل مصدر قلق عميق واستراتيجي للأمن القومي الإسرائيلي، وذلك لأسباب عديدة لكن يظل أبرزها هو خلافه المزمن مع إدارة البيت الأبيض ومع الحزب الديموقراطي الحاكم في أميركا.

وكل الفكرة هنا هي أن إسرائيل لا يمكنها أن تشعر بالطمأنينة الاستراتيجية إذا كانت علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية مضطربة، وغير مستقرة، وخاصة إذا كانت هذه العلاقة تمر بحالة قطيعة، كما هو اليوم حال العلاقة بين نتنياهو وبايدن.

إن إسرائيل تعتمد جوهرياً في حماية نفسها سياسياً واستخبارتياً وعسكرياً واقتصادياً على أميركا.. صحيح أن تل ابيب تصنع أسلحة متطورة، ولكنها في أية حرب تخوضها فهي تعتمد على شحنات الذخيرة التي تمدها بها واشنطن على نحو طارئ.. وصحيح أن إسرائيل لديها قوة عسكرية كبيرة، ولكنها لا تستطيع خوض أية حرب إلا بقرار أميركي.. وصحيح أيضاً أن تل أبيب لديها اقتصاد كبير وموازنة استخباراتية ضخمة، ولكن ضمانات استمرار اقتصادها وازدهار استخباراتها، مرتبطان بضمانات استمرار الحماية الأميركية لهذين القطاعين لديها..

وبكلام آخر فإن طبيعة نشأة إسرائيل وكل ظروفها التكوينية، جعلتها دولة تعوزها القدرة الذاتية على بناء استقرارها الجيوسياسي الاستراتيجي، ولذلك فهي مضطرة لأن تعوض هذا النقص من خلال ممارسة تبعية إستراتيجية للولايات المتحدة الأميركية.

وما يحدث اليوم هو أن هناك أزمة عميقة بين رأس الحكم في إسرائيل (نتنياهو)، وبين رأس الحكم في أميركا (بايدن).. ومجرد وجود هذا الجو بين واشنطن وتل أبيب، يؤدي إلى انتشار حالة عدم طمأنينة استراتيجية لدى اليهود في فلسطين المحتلة وحتى لدى اللوبيات الصهيونية حول العالم.. وبالمقابل هناك تقدير في إسرائيل وفي أميركا يرى أن سوء العلاقة الراهن بين الطرفين، سببه وجود نتنياهو في الحكم، وعليه فإن العلاقة ستعود لطبيعتها فور خروج نتنياهو من الحكم..

وبخصوص لماذا تحول نتنياهو إلى مصدر لإثارة الخلاف الإسرائيلي مع واشنطن، فهناك في الواقع عدة أسباب تغذي هذا الأمر؛ أهمها أن نتنياهو حينما برز اسمه على الساحة السياسية الإسرائيلية، تم تقديمه – وقدم هو نفسه – للنخب الإسرائيلية على أنه يمثل النموذج الأميركي داخل الحياة السياسية الإسرائيلية.. ويبدو أن نتنياهو الذي بات يحمل لقب “بيبي” أخذ ينظر لنفسه بوصفه أنه جزء من أميركا في إسرائيل، واعتبر بالتالي أنه يمثل “قرار إسرائيل” في أميركا، و”قرار أميركا” في إسرائيل؛ وحينما وصل باراك أوباما إلى البيت الأبيض، حصل أول صدام حاد بينه وبين نتنياهو.

.. وفي ظاهر الحال تم تصوير الخلاف على أنه ناتج عن موقف نتنياهو ضد رغبة أوباما بتوقيع اتفاق على الملف النووي مع إيران؛ ولكن جوهر الخلاف كان سببه اعتراض نتنياهو على ذهاب أوباما لوحده إلى توقيع الاتفاق مع إيران، من دون أن يصطحب معه إسرائيل إلى قاعات التفاوض الأميركي مع طهران، وإلى جلسة توقيع الاتفاق معها.

وقد حدثت آنذاك واقعة مشهودة، قوامها أن شمعون بيريز أقنع آنذاك نتنياهو بأن عليه توريط أوباما والغرب بحرب مع إيران. وقال بيريز آنذاك لنتنياهو (بيبي): ان نابليون حينما قرر الخروج غازياً، لم يكن أحد في فرنسا أو في العالم يؤيده؛ ولكنه حينما بدأ الحرب اضطر منتقدوه للحاق به.

وقال له أيضاً أن النبي موسى حينما عبر بشعب إسرائيل صحراء سيناء، لم يكن أحد متحمساً لهذه الفكرة الخطرة، ولكن النبي موسى أخذ قرار إنقاذ الشعب الإسرائيلي، ونجح بذلك..

وقال بيريز لنتنياهو أن الله أرسله في هذه اللحظة كي يعبر بالشعب الإسرائيلي إلى مرحلة تصفية خطر إيران النووي.. وأن أوباما ليس الله حتى يفرض على إسرائيل قدرها، ويرغمها على عدم مهاجمة إيران لإزالة الخطر الوجودي النووي عن إسرائيل.

وختم بيريز قائلاً لنتنياهو أنه بالنسبة لإسرائيل فهو اليوم يشبه النبي موسى الذي عليه أن يزيل الخطر النووي الوجودي الإيراني !!!..

وحصل أن هذا الحديث بين بيريز ونتنياهو وصل إلى مسامع أوباما؛ وعند أول زيارة لنتنياهو للبيت الأبيض قال لأوباما: أنت لست الله لتفرض على إسرائيل قدرها، وتمنعها من مهاجمة الخطر النووي الإيراني.

فرد عليه أوباما: صحيح أنا لست الله، ولكن أنت أيضاً لست النبي موسى.

في تلك الفترة كان بايدن نائب أوباما، وكان على صلة بما يحدث من توتر بين نتنياهو وبين الرئيس الأميركي. وبعد وصول الرئيس الجمهوري ترامب إلى البيت الأبيض تموضع نتنياهو إلى جانبه ضد الديموقراطيين في أميركا، وعلى رأسهم ضد أوباما- بايدن.

.. وفي مرحلة ترامب تعمقت أكثر في أميركا فكرة أن نتنياهو هو النموذج الأميركي داخل إسرائيل، وتعمقت في إسرائيل أكثر أن نتنياهو هو جزء من القرار الأميركي.. وخلال فترة ترامب عاش نتنياهو حالة “امتلاك فائض القوة السياسية” نتيجة صورته التي تظهره ليس فقط مدعوماً أميركياً، بل كونه جزء من القرار الأميركي.

ولكن مع سقوط ترامب جاء وقت حساب الديمقراطيين الأميركان مع نتنياهو المحظور عليه حالياً زيارة الولايات المتحدة الأميركية، والمسحوب عنه شخصياً الدعم الأميركي له.

وأمس حينما شاع خبر مرض نتنياهو، صدر تعليق يقول أن “بيبي” يعاني من ضربة شمس أميركية !!..

Exit mobile version