الهديل

دريان في رسالة رأس السنة الهجرية: كفانا تذاكياً ومُزايدَاتٍ على بَعضِنَا بعضًا

????????????????????????????????????????????????????????????

وجه مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان رسالة الى اللبنانيين بمناسبة بداية رأس السنة الهجرية الجديدة الاتي نصها: “الحمدُ للهِ ذِي الفَضْلِ والإحْسَان ، شرعَ لعبادِه هِجْرةَ القُلوبِ وهِجْرةَ الأَبْدَان، وجَعَلَ هاتين الهِجْرَتين باقِيَتَيْنِ على مَرِّ الزَّمان .

أيها المسلمون ، أيها اللبنانيون :

مع حلولِ كلِّ عامٍ هجريٍّ جديد ، يقفُ المسلمونَ في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها مُحْتَفِينَ بعامٍ جديد ، ومُسْتَذْكِرين أحداثَ الهجرةِ النبويةِ الشريفة ، التي تَسْتَحِقُّ الوِقْفَةَ المُتَأَنِّيَة ، لأنها كانتْ في حقيقتِها ، حَدَثاً بالغَ الأهميةِ في تاريخِ العربِ والمسلمين ، إذ إنَّها لم تَكُنْ نُزْهَةً ولا رِحْلَةً سياحِيَّةً للتَرْفِيهِ والتَّفَرُّجِ والاطْلاع ، ولم تَكُنْ سَفَرَاً وانْتِقَالاً لتحصيلِ مُتَعِ الدُّنْيَا ومَلَذَّاتِهَا ، وإنما كانتْ انْتِقَالاً مِنْ أَجْلِ الحِفَاظِ على العقيدة ، وتضحيةً بالنفسِ والمالِ والأهلِ والولد، مِنْ أجلِ العقيدة ، فهيَ تَبْدَأُ من أجلِ العقيدة ، وغَايتُها العقيدة .

ففي العامِ الرابعَ عَشَرَ للبَعثَة ، الموافقِ للعامِ سِتِّمِئةٍ واثنينِ وعِشرينَ للميلاد ، وفي مثلِ هذه الأيَّام ، اُضْطُرَّ رسولُ اللهِ صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليه، للخروجِ مِنْ بيتِه ، ومَسْقِطِ رأسِهِ بِمَكَّةَ أُمِّ القُرى ، مُهاجِراً إلى يَثْرِب ، التي سمَّاها المَدينة، بعدَ أشِ استقرَّ فيها.

أيها المسلمون؛ أيها اللبنانييون :

فَوقَ أَزَمَاتِنا الوَطَنِيَّةِ المُتَكاثِرة، نَعيشُ في هَذِه الأيامِ أَزْمَةً جديدةً، هي الأَسْوَأُ وَقْعاً : اِنْتِخَابُ رئيسٍ جديدٍ للجمهوريَّة . وهذهِ الأزْمَةُ بِالذَّات ، ما كانَ لها دَاعٍ . فالجَمِيعُ يقولونَ بِالطَّائفِ والدُّستور. والدُّستورُ حَدَّدَ مَسَاراً واضِحاً لانْتِخاباتِ الرَّئيس ، فلماذا لا نَتَّبِعُ هذا المَسارَ الوَاضِح ، دُونَمَا اتِّهاماتٍ مُتَبَادَلَة ، وتَعْطِيلِ ما لا يَصِحُّ تَعْطِيلُه ؟

ما يَجرِي اليومَ على السَّاحَةِ اللبنانيةِ مِن شُغورٍ رِئاسِيٍّ ، وتصريفِ أعمالٍ في الحكومةِ بِالحُدُودِ الضَّيِّقَةِ ، وتعطيلِ انعقادِ جَلَسَاتٍ تشرِيعِيَّةٍ في المَجلِسِ النِّيَابِيّ ، هُوَ مَعِيبٌ بِحَقِّ كُلِّ مَن يُعَرقِلُ إنجازِ هذِه الاستِحقاقَاتِ التي لا يَنْهَضُ البلدُ مِن دُونِ تَحقِيقِها ، وأَوَّلُها انتخابُ رئيسٍ لِيُعِيدَ لِلوَطَنِ مَكَانَتَه، وَلِلمُؤَسَّساتِ تَوَازُنَها ، ولكي نَقولَ لِلعَالَم: نحن كلبنانيين مَهمَا اختَلَفنَا فَسَنَبقَى مُحافِظِينَ على لبنانَ العَربِيِّ الهُوِيَّةِ والانتماء ، وإذا لم نُسارِعْ إلى تَدَارُكٍ هذا الأًمرٍ بٍتنفِيذِ ما ذَكَرْنا آنفاً فإنَّ الشَّرخَ والَّفَتُّتَ والانهيارَ والفَوضَى بشتَّى أَنواعِها سَتَزداد ، كفانا تذاكياً ومُزايدَاتٍ على بَعضِنَا بعضًا، فعلى الجميعِ التَّنازُلُ لِمَصلحَةِ الوَطنِ ، وإلا فنحن ذاهبون إلى الظَّلام، حيث تَنتَظِرُنا الويلاتُ والمَصائبُ التي سَتَقَعُ على الوَطَنِ وعلى جَميعِ اللبنانيين .

إنَّ السُّكُوتَ عَنْ مَطالِبِ اللبنانيينَ المُحِقَّةَ جريمةٌ لا تُغتَفَرُ ، وتحقيقُها مُطالَبٌ بهِ كُلُّ مَسؤُولٍ في هذه الدَّولةِ أياً كان مَوقِعُه ، لقد نَفِدَ صَبرُ المُواطِنِ الذي يُعانِي الأَمَرَّينِ في مَعِيشَتِه ، لا نُرِيدُ بَعدَ اليومِ أقوالاً وخطاباتٍ وَمَواقِفَ وتَصَارِيحَ رَنَّانَةٍ لا تُسمِنُ ولا تُغنِي مِنْ جُوع ، بل نريدُ أفعالاً تَنتَشِلُ المُواطِنِينَ مِمَّا هُمْ فيه ، اِنتظرْنا بِما يَكفِي ، صَرخَتُنا اليومَ هي صَرخَةُ كُلِّ النَّاسِ الذين يعانون مِمَّا يَجرِي في وَطَنِنا ، ونحن في نَظَرِنا وفي نَظَرِ كُلِّ اللبنانيين الجَميعُ مسؤولون ويتَحَمَّلون الأَخطَاءَ والخَطَايَا ، رُغمَ تَفاوُتِ الدَّرجَاتِ في المسؤولية. يقولُ اللهُ عزَّ وجَلَّ في مُحكَمِ تَنزِيلِه : ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ﴾ .

أيها المسلمون؛ أيها اللبنانييون :

ولِمُناسَبةِ الهِجرةِ التي صَارَتِ انْتِصَاراً لِمَبادئِ الحَقِّ والعَدل، أَقولُ لِكُلِّ النُّوَّاب ، وَلِنُّوَّابِ المسلمينَ بِالذَّات : أنتُمْ تَشْكُونَ مِنْ قِلَّةِ الوَزْنِ وَالتَّوَازُن ، وما ذلِكَ إلا لِلتَّشَرْذُمِ الذي نَالَ مِنْ وَحْدَةِ الصَّفّ ، وَمِنَ القُدْرَةِ على التَّضَامُنِ وَرِعايَةِ المَصَالِح . لا بُدَّ مِنْ أنْ تَجْتَمِعوا ليسَ لِحِفْظِ حُقوقِكُمْ فقط ؛ بل وَلِتَحْقِيقِ المَصْلَحَةِ الوَطَنِيَّة ، في أنْ يَكونَ لِلُبنانَ رئيس ، تُمَكِّنُهُ الكَفاءَةُ وَالخِبْرَةُ والنَّزَاهَةُ مِنْ أنْ يَتَقَدَّمَ الصُّفوفَ ، لِحَلِّ المُشْكِلاتِ المُتَرَاكِمة . إنْ لم يَكُنْ لكُمْ بِسَبَبِ وَحْدَتِكُمْ وَزْنٌ في انْتِخابِ الرَّئيس العتيد ، فلنْ يكونَ لكُمْ وَزْنٌ في الحُكومةِ ورَئيسِها.

أيها المسلمون؛ أيها اللبنانييون :

لقَد دَخَلَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ إلى يَثْرِبَ فَصَارَتِ المَدِينَةَ المُنَوَّرة . ويَكُونُ علينا أنْ نَحْفَظَ مَعْنَى المَدينةِ في عُقولِنا وَأَعْمَالِنا ، وَعَلينا أنْ نُهاجِرَ مِنَ التَّخَاذُلِ إلى التَّنَاصُر ، وَمِنَ التَّفْرِقةِ إلى الوَحْدَة ، وَمِنَ المَصالِحِ الخَاصَّةِ إلى المَصْلَحَةِ العَامَّة، التي تَجَلَّتْ أّيَّامَ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، في كِتابِ المَدينةِ وَعَهْدِها ، وَعَهْدُنا في وَطَنِنَا الحاليّ ، هُوَ وَثيقَةُ الوِفَاقِ الوَطَنِيّ، والدُّستُور .

الهِجرةُ استِقْبالٌ لِلجَدِيدِ والمُتَقَدِّم ، والمَصَالِحِ الوَطَنِيَّةِ العُليا . فعليكَ صَلوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ يا رَسُولَ الله ، وَجَزَاكَ أَحسَنَ مَا يُجزَى نَبِيٌّ عَنْ أُمَّتِه ، فَقَد َأَدَّيْتَ الرِّسَالَة وحَمَلْتَ الأَمَانَة ، وَبَادَرْتَ إلى الأُمَّةِ وَالدَّولة ، وَالمُجتَمَعِ السَّمْحِ ، والأخلاقِ العالية. سلامُ اللهِ عليكَ في مَولِدِكَ وَبَعثَتِك، وَهِجرَتِكَ وَسِلْمِك ، وَمَحَبَّتِكَ وَحَيَاتِكَ وَمَوتِك ، قَالَ تَعَالى : ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾. صدقَ اللهُ العظيم

حَفِظَ اللهُ تعالى لبنانَنا من كُلِّ سُوء ، وكلُّ عامٍ هجريٍ وأنتم أيها المسلمون وأيها اللبنانيون بخيرٍ وسلامٍ وأمان “.

Exit mobile version