الهديل

خاص الهديل: لا عودة عن خيار فرنجية: حزب الله ونظرية انتظار خصومه عند شاطئ البحر..

خاص الهديل:

يراهن حزب الله على تكرار سيناريو ٢٠١٦، حيث وقتها استعمل نظرية الحكيم الصيني الذي جلس بهدوء على ضفة الشاطئ بانتظار أن يحمل موج البحر إليه جثة عدوه إلى ما بين يديه.

آنذاك قال حزب الله خياره؛ (أي ميشال عون)؛ وكل ما فعله الحزب هو أنه انتظر عند ضفة الشاطئ، حيث مع مرور الوقت تعب خصومه من مغالبة الموج العاتي الذي حملهم إلى الشاطئ وهم في حالة استسلام لخيار الحزب بإيصال ميشال عون لرئاسة الجمهورية. 

يعتقد الحزب اليوم أن إستراتيجية الانتظار التي مارسها بنجاح لإيصال ميشال عون، يمكن تكرارها مع ترشيح سليمان فرنجية، ويعتقد الحزب أيضاً أن ترك خصومه يغالبون موج الاستحقاق الرئاسي العاتي سيؤدي إلى تعبهم وإلى أن يحملهم هذا الموج إلى الشاطئ وهم خائرو القوى وبحالة استسلام لخيار الحزب بإيصال فرنجية.

وكل الفكرة هنا تكمن في أن الحزب يملك القدرة على الانتظار عند شاطئ بحر الاستحقاق الرئاسي الهائج؛ فيما خصومه ليس لديهم قدرة أو حتى فرصة انتظار البحر كي يحمل إليهم هداياه السياسية؛ خاصة في ظل وجود ظرف يظهر أن لبنان ليس أولوية عند الكثير من دول القرار العالمي.

إن الأحزاب المسيحية بكل أطيافها ومشاربها تخضع لضغوط معنوية كي تستعجل إنجاز الاستحقاق الرئاسي؛ والسبب في ذلك هو أن هذا الاستحقاق له خصوصية مسيحية تتعلق بأنه يؤدي إلى انتخاب الرئيس المسيحي الوحيد في الشرق الأوسط. وعليه فإن الرأي العام المسيحي في لبنان هو مع بقاء هذا الموقع بغض النظر عن إسم شاغله.. 

وبالمقابل فإن الرأي العام المسلم – وخصوصاً بعد تجربة عون – هو معني بإسم وصِفات الرئيس، بأكثر مما هو معني بأنه يكفي أنه رئيس مسيحي. 

ومن هنا سبب أن بكركي بتحريض من الفاتيكان تضغط كي يتم إعطاء أولوية لانتخاب الرئيس المسيحي بغض النظر عن إسمه.. فيما حارة حريك تضغط لمصلحة إعطاء أولوية لصفات الرئيس الماروني؛ وقد عبر السيد حسن نصر الله عن ذلك بالقول أن “إسم الرئيس هو أساس”.

وما يحصل اليوم هو أنه بينما الفاتيكان ومن وراءها بكركي هما في حالة سباق مع الوقت لإنجاز انتخاب الرئيس المسيحي الوحيد في الشرق الأوسط بغض النظر عن إسمه، فإنه بالمقابل هناك حرب مستعرة بين دول القرار الدولي والإقليمي من جهة وبين حزب الله من جهة ثانية، على صفات فخامة الرئيس المسيحي؛ فحارة حريك تقول “إسم الرئيس – بمعنى صفاته – هو الأساس”، ودول الخماسية تقول أن صفات الرئيس هي الأساس. وفيما نصر الله يطرح فرنجية لأنه امتداد لإميل لحود وميشال عون بوصفهما رؤساء يؤمنون بحماية المقاومة من خصومهم المحليين والخارجيين، ويتماشيان مع سياسات حزب الله، فإن المجتمع الدولي يطرح مواصفات رئيس يجمع اللبنانيين وينفذ القرارات الدولية ولا يوافق على سياسات حزب الله. 

ومن منظار حزب الله فإن بيان اجتماع اللجنة الخماسية لم يكن اجتماعاً لحل أزمة الشغور الرئاسي، بل كان مناسبة أكدت على طبيعة الأزمة أو على طبيعة الصراع الذي ينتج عنه استمرار الأزمة، ومفاده أن الحل يكون فقط بأن يوافق أحد الطرفين على مواصفات الرئيس كما يراها الطرف الآخر؛ فالحزب وافق على المبادرة الفرنسية طالما أن ماكرون أيد سيناريو انتخاب فرنجية؛ أي طالما أن الإليزيه اعترفت بأن الحل هو بتأييد مواصفات حزب الله لشخصية رئيس الجمهورية المسيحي؛ وعندما عاد ماكرون لتأييد مواصفات المجتمع الدولي لشخصية فخامة الرئيس، أصبح حزب الله ضد المبادرة الفرنسية، ويهاجم السفيرة الفرنسية في لبنان. 

وقصارى القول في هذا المجال أن أزمة الشغور الرئاسي حالياً موجودة في مربع الحرب الدائرة بين حارة حريك من جهة وبين دول القرار من جهة ثانية، وذلك على مسألة من يحدد مواصفات فخامة الرئيس المسيحي الوحيد في الشرق الأوسط (؟؟): حزب الله أم المجتمع الدولي(؟؟)، أم عبر التفاوض بين الطرفين(؟؟) يراهن الحزب على أنها ستؤدي إلى استجابة دول القرار لإرادته بالموافقة على مواصفاته للرئيس؛ الأمر الذي يسميه اللبنانيون “بالتسوية الخارجية على انتخاب فخامة الرئيس”(؟؟).

والواقع أن حزب الله ينتظر حصول واحد من تسويتين اثنتين؛ إما تسوية داخلية تؤدي إلى قبول خصوم الداخل بانتخاب فرنجية مقابل أثمان سياسية يتعهد بدفعها الحزب والعهد الجديد لخصوم الداخل، وإما تسوية خارجية توصل فرنجية للرئاسة مقابل أثمان يدفعها الحزب لخصوم الخارج. 

وأصبح لدى حزب الله خبرة وتقاليد في كيفية إدارة توازنات الاستحقاقات الرئاسية في لبنان؛ وبات لديه خطوط حمر في هذا المجال يعرفها الخارج أيضاً.

..ومن التقاليد الرئيسية التي أرساها الحزب على مستوى تحديد ما لا يقبله بخصوص الرؤساء الثلاثة هي التالية: 

التقليد الأول هو ممنوع انتخاب رئيس جمهورية لا يوافق على صفاته حزب الله؛ بل لا يحدد صفاته العامة وأيضاً المرحلية الحزب.  

وهنا يطالب الحزب ليس فقط بصفات عامة من نوع أن يكون الرئيس حليفاً للمقاومة، بل أن يكون له أيضاً صفات خاصة لها علاقة بطبيعة المرحلة كما يراها الحزب.. وهذا ما يفسر كيف فضل الحزب صفات حليفه عون ليس على صفات خصمه جعجع؛ بل أيضاً على صفات حليفه فرنجية في انتخابات العام ٢٠١٦، وكيف وقف ضد ترشيح أبو طوني رغم ضمانة أكثرية نيابية لمصلحة ترشيح عون حينها، بينما يفضل الحزب اليوم صفات فرنجية على صفات صهر عون في انتخابات ٢٠٢٣؛ ويقف ضد باسيل لصالح فرنجية!!.  

بمعنى آخر فإن الحزب أرسى تقليداً يقول أن حارة حريك هي التي تحدد صفات فخامة الرئيس العامة وأيضاً صفاته التي تتلاءم مع تحديات كل مرحلة، وأن هذه الصفات بشقيها هي الضمانة للمقاومة، وليس تعهدات الرئيس للمقاومة هي الضمانة لها..  

التقليد الثاني يتعلق بصفات الرئيس الثاني وهي أن يكون حصراً من داخل الثنائية الشيعية السياسية.

وهنا يتشابه سلوك الثنائي الشيعي السياسي، بنسبة معينة، مع سلوك المارونية السياسية أيام الجمهورية الأولى، حيث كانت هذه الأخيرة تشترط حصراً أن يكون فخامة الرئيس شخصية مارونية من المركز (أي من جبل لبنان – لبنان الصغير)، وليس من الأطراف..

..وبالنسبة لأمل وحزب الله، فإن المركز الشيعي يقع داخل الثنائية الشيعية، فيما كل القوى الشيعية الأخرى هي عبارة عن أطراف نائية سياسياً.

التقليد الثالث هو أن دولة رئيس الحكومة تختاره موازين القوى الداخلية، وليس السنة وحدهم ولا الخارج.. ويريد هذا التقليد القول أن الحزب بعد تجربة أحداث ٧ أيار أصبح له حق الفيتو على استمرار رئيس الحكومة في مهامه.

والواقع أن هذا التقليد بكل عناوينه، كان تم فرضه عندما دخل سعد الحريري وهو رئيس حكومة للاجتماع بأوباما، وخرج من المكتب البيضاوي ليجد نفسه أنه أصبح خارج السرايا الكبير. حينها أراد حزب الله القول أن موازين القوى في الداخل هي التي تسمي رئيس الحكومة، وليس الدعم الخارجي أو ما يريده الخارج.

Exit mobile version