الهديل

خاص الهديل: الأزمة اللبنانية تلتحق بنادي أزمات المنطقة التي لا حلول سياسية لها..

خاص الهديل:

بعد جولة الدوحة للجنة الخماسية من أجل لبنان، تكثفت التوقعات وأحياناً المعلومات التي تراهن على أن دول القرار الدولي والإقليمي الممثلين في اللجنة يقتربون من إنتاج حل لأزمة الشغور الرئاسي؛ وتالياً لكل الأزمة اللبنانية.

والواقع أن هذا التقدير لنتائج اجتماع اللجنة الخماسية هو تقدير انطباعي؛ وتعوزه الموضوعية.. وهذا الكلام لا يعني أن اللجنة الخماسية لم تحرز بالشكل تقدماً؛ ولكن بالجوهر هناك أمر هام وأساسي يجب أخذه بالاعتبار وهو أن مسألة حل الأزمة اللبنانية بخصوص بعض عناوينها أو كل عناوينها، هي أمر غير مقدور عليه دولياً وإقليمياً، تماماً كما هو الحال الدولي والإقليمي مع حل أزمة ليبيا والسودان واليمن وسورية، الخ.. وسبب العجز الدولي تجاه هذه الأزمات في منطقتنا؛ يعود لعدة عوامل أبرزها تراجع الاهتمام الأميركي بالمنطقة واكتفائها باتباع سياسة إرساء الهدن العسكرية في دول الأزمات بدل التسويات السياسية. 

ويمكن تفصيل ما تقدم لجهة تطبيقاته على لبنان من خلال عرض السياق التالي لموقع أزمة لبنان فوق أجندة العمل الدولي والإقليمي: 

يلاحظ بداية أن إجتماعات اللجنة الخماسية من أجل لبنان، بدأت مع تكرر جلساتها التي تراوح في مربع التشاور؛ بدأت تتحول إلى “مؤسسة تشاور بين دول معنية بأزمة معينة”، تشبه المؤسسات الدولية التي تولد بفعل اندلاع أزمة بقرار دولي وإقليمي، ولكنها تكون عاجزة عن إنتاج قرار دولي وإقليمي لحل هذه الأزمة ويكون قابلاً للتنفيذ.

وما يجدر ذكره في هذا السياق هو الملاحظات التالية: أولاً من المعروف أن لبنان شهد على مدار الحروب والأزمات الداخلية التي مر بها، الكثير من المبادرات الدولية والإقليمية والعربية التي كان ينبثق عنها لجان دولية أو اقليمية أو عربية لحل أزماته؛ ودائماً كانت هذه اللجان تولد بقرار دولي أو إقليمي أو عربي، ولكنها كانت بالغالب لا تستطيع أخذ قرار عربي أو دولي أو إقليمي قابل لتنفيذ حل للأزمة في لبنان.

ثانياً، لا يمكن لأي مراقب يتابع جهد اللجنة الخماسية إلا التوقف عند ملاحظة هامة، وهي أنه في جوار لبنان توجد أزمة في سورية مضى عليها أكثر من ١٣ سنة، ولا زالت من دون حل، رغم أن قرارات دولية كثيرة صدرت لتنظيم كيفية حل الأزمة السورية، ورغم أن دول جوار سوريا الإقليمية أنشأوا إطاراً مشتركاً لحل الأزمة السورية هو إطار أستانا، ورغم أن اللاعبين الكبار الدوليين والإقليميين المشاركين في الأزمة السورية، هم مشاركون في إطار أستانا؛ إلا أن ذلك لم يؤد إلى تسريع الحل؛ بل أحياناً أسهم في تعقيده.

وهذا يعني أن على لبنان أن يستنتج من الأزمة السورية الناشبة في جواره، أمرين اثنين رئيسيين: الأول أنه إذا اتفق اللاعبون الكبار على مقاربة أية أزمة بشكل مشترك، لا يعني ذلك أن الأزمة ستأخذ طريقها إلى الحل؛ بل يعني ربما، وبأحسن الأحوال، أن اللاعبين الكبار سينجحوا بتنظيم خلافاتهم تجاه هذه الأزمة وفوق ميدانها السياسي والعسكري.

الأمر الثاني مفاده أن الأزمات المنطقة بخاصة، ومعظم أزمات العالم، أصبحت بمعظمها أزمات قابلة لأن تدخل في هدنات طويلة، ولكن ليس في حلول نهائية.. هذا ما يحدث اليوم في سورية التي عادت للجامعة العربية، وتوقف الاقتتال داخلها، ولكنها لم يعد إليها لا الحل السياسي الداخلي ولا الاستقرار النهائي؛ وهذا ما يحدث في ليبيا أيضاً التي وقف الاقتتال العسكري فيها، ولكن لم تتوقف “الحرب الأهلية الباردة” هناك، ولا الانقسامات السياسية التي تحول دون إعادة إنتاج الدولة في ليبيا؛ ونفس الأمر يحدث أيضاً في اليمن وبدأ يحدث الآن أيضاً في السودان..

وكل ما تقدم يجب أن يتعلم منه لبنان قبل فوات الأوان، أمثولتين إثنتين: 

الأمثولة الأولى تقول أنه حتى لو اتفق اللاعبون الكبار في لبنان (السعودية وإيران أو طهران وواشنطن)، فإن هذا ضمن ظروف العالم الجديدة؛ لا يعني أن اتفاقهما سينتج عنه حلاً للأزمة اللبنانية، بل بالحد الأقصى سينتج عنه قيامهما بتنظيم خلافاتهما بخصوص أزمة لبنان وفوق ميدانها؛ حيث النتيجة هي تبريد التوتر السياسي وبقاء المشكلة السياسية من دون حل. 

الأمثولة الثانية وهي امتداد للأولى، تقول أن أية أزمة في المنطقة ستتحول إلى أزمة دائمة ومن دون حل، فيما لو لم يكن هناك إرادة ورغبة من قبل أطراف الداخل لإيجاد حلول داخلية لها..

إن خلاصة القول في هذا المجال هو أن ظروف الصراع في العالم، وانتقال اهتمام المتصارعين إلى أوروبا حيث الحريق الأوكراني، وإلى آسيا الوسطى حيث الخشية الأميركية من تعاظم النمو العالمي للتنين الصيني، جعل أزمات المنطقة تتفاعل تحت عنوان الأزمات المنسية أو الأزمات مؤجلة الحلول دولياً..

Exit mobile version