كتب عوني الكعكي:
في الحلقة الأولى التي نُشرت أمس الاثنين أشرت الى أنه ومنذ خمسينات القرن الماضي، وتحديداً مع بداية مسيرة الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، تعزّز الحضور السياسي لمصر في لبنان على كافة المستويات السياسية والاجتماعية والأهلية… وقد تعدّى هذا الاهتمام الشأن السياسي الى الجانب الاجتماعي المباشر، حتى أصبحت مصر صديقة كل الأطراف في لبنان حتى القوى المتخاصمة معها.
فكان الدور المصري لافتاً الى حدّ كبير، توّج بـ»اتفاق القاهرة» عام 1969، ثم انحسر هذا الدور بعد وفاة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، حين انصبّ اهتمام خليفته محمد أنور السادات على إبرام معاهدة صلح مع إسرائيل لاسترجاع ما كسبته الدولة العبرية من مصر خلال حرب عام 1967.
كذلك، أبرزت الدور السوري في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد. هذا الدور الذي لعب حيّزاً كبيراً وواسعاً في الشؤون اللبنانية ليتعزّز مع وجود القوات السورية في لبنان، ولم أغفل بالتأكيد الدور السعودي بوجود الرئيس الشهيد رفيق الحريري، حتى بات الأمر كله -وبدعم من بشار الأسد- بيد إيران ممثلة بحزب الله، إذ بات لبنان وباعتراف قادة إيران جزءاً لا يتجزأ من دول الممانعة، شاء اللبنانيون أم أبوا، حتى إنّ الايرانيين أعلنوا سيطرتهم على أربع عواصم عربية، هي: دمشق وبغداد وبيروت وصنعاء.
وبعودة مصر الى لبنان اليوم، بعد احتفال السفارة المصرية بذكرى ثورة 23 يوليو (تموز) وإعلان السفير المصري ياسر علوي هذه العودة المصرية، بعدم التخلي عن لبنان وبدعمه في المجالات كافة، تكون مصر قد فتحت صفحة جديدة بعودة الدعم المصري كاملاً وغير منقوص الى لبنان.
ولا بد من التنويه الى أنّ مشاركة مصر في اللجنة الخماسية التي تبحث حل العقدة اللبنانية المتمثلة في انتخاب رئيس للجمهورية، والمكوّنة من: الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية وقطر الى مصر طبعاً، خير دليل على رغبة مصر العربية في إعادة لعب دورها عربياً ولبنانياً.
ننتقل الآن الى الاحتفال الذي أقامه سفير مصر في لبنان الدكتور ياسر علوي في دارته في دوحة الحص تخليدا لثورة 23 يوليو (تموز)، وإلى كلمة سعادة سفير مصر الذي حَمَل تأكيداً بأنّ مصر عائدة الى لعب دورها الفعّال في لبنان، حبّاً بهذا الوطن وحرصاً على وحدته واستقلاله وسيادته… وما يؤكد ذلك ما قاله سعادة السفير:
أولاً: إنّ مصر… العائدة مجدداً للعب دورها العربي التاريخي… تعرف قدر لبنان ومكانته… وتدرك أنّ قَدَر القاهرة وبيروت هو التشارك في كل جهد جدّي لاستنهاض المنطقة وأهلها.
ثانياً: إنّ مصر تعرف أنّ قيامة لبنان… هي حاجة عربية ودولية، بقدر ما هي ضرورة لبنانية.
ثالثاً: إنّ الالتزام بدعم لبنان، ومساعدته على النهوض من عثرته الراهنة، هو واجب بل فَرْضُ عين.
رابعاً: مساعدة لبنان ليس منحة تقدّم في أوقات الفراغ الوطني أو الدولي…
خامساً: يقول السفير: إنّ التزام مصر بدعم لبنان والوقوف بجواره… هو ثابت أساسي من ثوابت السياسة الخارجية المصرية.
سادساً: نحن مع لبنان… لسنا طارئين ولا عابرين… والتزامنا حاسم بثابتتين أساسيتين: الحفاظ على النظام الدستوري كما يجسّده «الطائف»، ودعم تكوين السلطة السياسية.
سابعاً: لقد تمّ تجديد بروتوكول التعاون الخاص بجامعة بيروت العربية منذ ثلاثة أشهر ليستمر هذا الصرح العلمي في تقديم الخدمات التعليمية الرائدة.
ثامناً: ختم السفير: لا لبنان غريب عن مصر وأهلها الذين يعرفون قدره ويحفظون دوره… ولا مصر غابت يوماً عن لبنان وأهله.
تاسعاً: إنّ ثورة 23 يوليو (تموز) المجيدة ليست مجرّد حدث مفصلي في تاريخ مصر… بل إنها حَدَثٌ فارق في تاريخ الأمة العربية.
من هنا، فإنّ توجيه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالعودة الى لبنان من خلال دعمه والمحافظة عليه، يذكّرني بما قاله في مرّات سابقة؛ فقد أمل الرئيس المصري أن يُدْرك اللبنانيون قيمة وطنهم الذي يعتبر جوهرة في الشرق… ويشكل مع مصر دعامة مشتركة ومتبادلة، فلبنان يستحق التضحية من أجله، وأن يتعالى الجميع عن حساباتهم الخاصة لإنقاذه.
وما يُطمئن اللبنانيين، كل اللبنانيين أنّ السفير المصري اعتبر مراراً وتكراراً أنّ الشرق بحاجة الى النموذج اللبناني، وإلى دور لبنان الذي لن يستعيده إلاّ بوحدة أبنائه وتضامنهم.
باختصار شديد… إنّ عودة مصر الى لعب دورها التاريخي في لبنان، محل تقدير من كل اللبنانيين… لأنّ لهذا الدور ضرورة بتْنا جميعنا بأمس الحاجة إليها في الوقت الراهن، ونحن ننزلق الى مهاوٍ تقودنا حتماً الى الدرك الأسفل من جهنم. هذه العودة تحقق التوازن في لبنان وتمنع تفرّد فئة باتخاذ القرار فيه.
لذا فإنّ كل اللبنانيين المخلصين يرحّبون بهذه العودة المباركة التي نتمنى أن تحمل في طيّاتها بشائر الخير للبنان.
*المقالات والآراء التي تنشر تعبّر عن رأي كاتبها*