خاص الهديل:
تثير اشتباكات مخيم عين الحلوة تساؤلات كثيرة حول خلفياتها الحقيقية.. فالرواية التي تقول أن الانفجار العسكري بدأ بجريمة ثأر ثم تحول إلى اشتباك عسكري عنيف بين معظم القوى الفلسطينية المختلفة المسيطرة على المخيم؛ وكلها مسلحة ومنظمة، هي رواية غير مقنعة، أو أقله غير كافية، لعدة أسباب:
السبب الأول كون اغتيال ضابط الأمن الوطني القيادي في حركة فتح أبو أشرف العرموشي، من الصعب تصديق أنه حصل صدفة، بل هو أغلب الظن، أمر مخطط مسبقاً، وليس مستبعداً أن حادثة القتل الثأري التي حدثت بين عائلتين في المخيم، كان هدفها خلق مقدمات من التوتر في المخيم يؤدي سياقها التصاعدي إلى اغتيال القيادي في حركة فتح أبو أشرف العرموشي، ما يفتح الباب أمام حدوث دورة العنف الواسعة.
السبب الثاني هي طبيعة الإشتباك الذي امتد في ظرف ساعات قليلة ليصبح بمثابة حرب بين عدة أحياء داخل المخيم، ولم يبق هذا الحادث جرياً على عادة أحداث سابقة مشابهة، محصوراً داخل الحي الذي توجد فيه العائلتين المعنيتين بحادثة الثأر؛ بل أصبح اشتباكاً بين عدة تنظيمات وعدة أحياء.
السبب الثالث هو أن هذه الجولة من الاشتباك طالت على نحو غير مسبوق المناطق اللبنانية المجاورة للمخيم؛ بما فيها مدينة صيدا.
إن ما يجب التنبه إليه في هذا المجال هو أنه لا يمكن وصف حدث أمني له هذا السياق التصاعدي، وأدى إلى كل هذه النتائج، بأنه مجرد حدث فردي، وليس له خلفيت سياسية وأمنية، وأنه لا توجد خلفه أصابع حركت خيوطه، أو استغلته لتحرك خيوط لعبة خارجية هناك قرار بإدارتها في مخيم عين الحلوة(؟!).
أضف لذلك أنه فيما لو تم وضع ما جرى في عين الحلوة فوق طاولة التشريح السياسي والأمني، لتبين بوضوح أن هناك عدة مؤشرات حملها هذا الحدث لا يمكن إغفالها أو عدم التوقف باهتمام كبير عندها:
المؤشر الأول هو سرعة تحول حادث ثأري فردي غالباً ما يحصل مثله في المخيم، الى اشتباك بين مجموعات حزبية، ومن ثم إلى حرب بين أحياء تتموضع فيها فصائل فلسطينية، ومن ثم تحولها؛ أقله في الإعلام، إلى حرب أهلية بين التيارين الإسلامي والوطني الفلسطينيين، وبين عائلات وأحياء عاصمة الشتات، الخ..
واضح أنه كان هناك تقصد لإشعال أكبر قدر من النار في المخيم، ولتوريط أكبر قدر من القوى الفلسطينية فيه، حتى يقال أن مخيم عين الحلوة المعروف بأنه عاصمة الشتات الفلسطيني، يشهد ما يشبه “الحرب الأهلية” بين فصائله، وبين عائلته، وبين أحيائه التي تتميز بأن كل حي منها يقيم فيه أهل بلدة أو منطقة من فلسطين المحتلة. بمعنى أن أحياء عين الحلوة تمثل خارطة التوزع الديموغرافي في”فلسطين الـ٤٨”!!.
كما أن توقيت رسم صورة توحي بأن عاصمة الشتات الفلسطيني؛ وعاصمة اللجوء الفلسطيني (مخيم عين الحلوة)، تعيش ما يشبه “الحرب الأهلية” المرشحة لأن تستمر على شكل جولات اقتتال متتابعة زمنياً، هو أمر يجب عدم إغفال ملاحظته خلال معالجة تداعيات ما حدث في عين الحلوة.
وقصارى الاستنتاج في هذا المجال، هو أن هناك جهات، وليست جهة واحدة، تريد إيصال رسالة تقول أن الواقع الفلسطيني لا يعاني فقط من انقسام داخلي (بين غزة والضفة وأيضاً بين فصائل داخل الضفة)، بل يعاني أيضاً من تحارب واقتتال بين بيئات اللجوء الفلسطيني في الشتات وفي الخارج، بدليل ما يحصل في عاصمة الشتات الفلسطيني.
السؤال الذي يطرح نفسه والمطلوب عدم إغفاله، هو لماذا يتم تقصد إشاعة هذا الإيحاء الآن؟؟..
المؤشر الثاني يتمثل بحالة اتساع مدى نار المعارك داخل المخيم إلى محيطه اللبناني؛ ما أدى إلى عدة نتائج مادية كل واحدة منها تحمل بعداً سياسياً غاية في الخطورة:
من جهة أدت المعارك في المخيم إلى توسع مدى نارها لتطال القذائف والرصاص الطائش (حسب الوصف الإعلامي) مناطق لبنانية حساسة تقع خارج المخيم؛ بينها، وعلى رأسها نقاط مراقبة للجيش اللبناني الذي سقط منه جرحى.
السؤال هو ما إذا كان الرصاص والقذائف التي أصابت مواقع الجيش هي “رصاص وقذائف طائشة”، أم أنه “رصاص توريطي” لجر الجيش لاشتباك مع المخيم؟!.
إن هذا الأمر لا بد أن يخضع لتحقيق دقيق، ولا بد أن يأخذ في اعتباره أن إسرائيل قد تكون بحاجة لصورة قتال ضد مخيم فلسطيني في لبنان، حتى تبرر وتغطي إعلامياً على هجماتها العسكرية المتتالية والمرشحة للاستمرار على مخيم جنين..
من الاحتمالات الأخرى أن يكون هناك أسباب داخلية أو خارجية تريد توريط الجيش بحرب مخيمات؛ خاصة وأنه قد يكون هناك من يريد تشتيت قوة الجيش اللبناني لثنيه عن مواصلة معركة الاستنزاف الشاقة التي يخوضها ضد عصابات المخدرات ذات البعد المحلي والإقليمي وحتى العالمي!!.
المؤشر الثالث المطلوب التوقف عنده أيضاً بعناية، هو أن قذائف ورصاص معارك المخيم أدت إلى عرقلة سلاسة السير على طريق الجنوب الساحلي الذي يعتبر شرياناً حيوياً لليونيفيل، كونه الممر البري الوحيد الذي تستخدمه لمد قواتها في منطقة عمليات الـ١٧٠١ بالدعم اللوجستي الحيوي!!.
.. إن من يريد إرسال برقية عاجلة تقول أن سلاسة طريق اليونيفيل معرضة للخطر نتيجة قنبلة عين الحلوة القابلة للانفجار في أية لحظة، إنما هدفه من ذلك تحقيق أمرين إثنين؛ الأول دعوة مجلس الأمن إلى استبدال طريق مرفأ بيروت – الناقورة في الجنوب لاستخدامات اليونيفيل بطريق مرفأ حيفا – الناقورة!!.
وهدفه الثاني وضع ورقة أمن الإمدادات لليونيفيل على طاولة مجلس الأمن الذي سيبحث قريباً مسألة التجديد لليونيفيل.
المؤشر الرابع هو “كمية القصف بالإشاعات” التي واكبت جولة المعارك في المخيم؛ حيث يمكن تقسيم هذه الإشاعات إلى ثلاثة اتجاهات من حيث نوعية مقاصدها:
الاتجاه الأول ذهب ليشيع بأن حركة فتح أخذت قراراً بتصفية التيار الإسلامي الفلسطيني في كل مخيم عين الحلوة، وفي كل مخيمات لبنان .. واضح أن هذه الإشاعة التي سارعت فتح لنفيها كان هدفها نقل المعركة من مناخ خطر إلى مناخ أخطر، وتوسيع المعركة من داخل المخيم إلى خارجه، وجعلها معركة مفتوحة على احتمالات خطرة فلسطينية ولبنانية. ويبدو أنه كان مقصوداً من هذه الإشاعة وغيرها، جرّ “سلفيات إسلامية” أخرى غير فلسطينية، إلى المعركة!!..
الاتجاه الثالث تحدث عن أن الصراع يدور بين فتح كبرى الفصائل الوطنية الفلسطينية وبين عصبة الأنصار كبرى الفصائل الفلسطينية الإسلامية؛ وقد نفت العصبة هذه الإشاعة..
الاتجاه الثالث من الإشاعات تحدث عن استنفارات في مخيمات أخرى؛ وتم في هذا المجال تقصد تسليط الضوء على هذه الاستنفارات ليس بوصفها عمليات احترازية خوفاً من انتقال المعارك إليها، بل بوصفها جزء من خطة موجودة لتوسيع “الحرب الأهلية بين فلسطيني الشتات”!!..
وخلاصة القول أنه لا يمكن القول أن ما حصل كان حادثاً فردياً تطور ليصبح حرباً أدت إلى كل النتائج الخطرة التي وردت أعلاه.. بل يجب النظر إلى ما حصل على أنه يعبر عن واحد من ثلاثة احتمالات:
إما أن هذه المعركة كانت مخططة مسبقاً، لجهة تقصد إيصال رسائل بتوقيت محدد وبخصوص أهداف محددة.
..وإما أنها معركة تشكل امتداداً لاحتقان وتوتر فلسطيني – فلسطيني موجود هذه الفترة داخل الضفة الغربية؛ وهو أمر حذرت منه مؤخراً شخصيات فلسطينية..
.. وإما أنها حادثة فردية تم استغلالها جراء دخول طرف ثالث أو أطراف ثالثة على الخط وحولتها إلى حرب بنتائج ودلالات خطرة.. وهذا الاحتمال لا يقلل من خطورة الأمر، لأنه يدلل على مدى الاختراق الذي يعيشه مخيم عين الحلوة..