خاص الهديل:
انتهت – مبدئياً – أحداث مخيم عين الحلوة الدامية من دون أية ضمانات جدية بعدم تكرار ما حدث.. وليست هذه هي المرة الأولى التي تحدث فيها جولة عنف واسعة في المخيم، ويتم بإثرها التوصل إلى اتفاق لوقف الاقتتال، وليس إلى اتفاق لعدم تكرار حصول اقتتال جديد.
والسبب في ذلك يعود إلى أن مخيم عين الحلوة محكوم بتركيبة داخلية بلغت مع الوقت حالة توازن القوى بين التيارين الرئيسيين بداخله والمتخاصمين، وهما التيار الوطني بقيادة فتح، والتيار الإسلامي بقيادة عصبة الأنصار؛ وبات أخيراً يُقال أن التيار الإسلامي في عين الحلوة، له قيادة ثانية غير معلنة هي حركة حماس.
والواقع أن البحث لا يزال جارياً عن السيب أو الأسباب الحقيقية لما جرى في المخيم؛ فهناك أطراف في حماس، وحتى داخل فتح، تحمّل المسؤولية لماجد فرج مسؤول الاستخبارات في السلطة الوطنية الفلسطينية..
.. ولائحة اتهام فرج تتضمن أنه عندما جاء إلى بيروت مؤخراً وزع أموال على بعض قادة فتح دون آخرين؛ وكان غرضه من ذلك خلقِ فرزٍ داخل فتح في عين الحلوة، بين المؤيدين بالكامل لسلطة محمود عباس وبين منتقديها. وهذا الفرز موجود أصلاً في الضفة الغربية بين الفتحاويين الذين التحقوا بمقاومة جنين والمنطقة الشرقية من الضفة، وبين الفتحاويين الذين التزموا بحسب توجيهات أبو مازن وفرج، باتفاقات التنسيق الأمني بين سلطة رام الله وإسرائيل.
.. أضف إلى ذلك، فإن الجهات التي حمّلت ماجد فرج مسؤولية ما حصل في المخيم، ترى أن هناك صراعاً مريراً على الساحة الفلسطينية في لبنان وفي الضفة الغربية، بين صالح العاروري القيادي البارز في حماس والرجل المحتضن بالكامل في لبنان من قبل السيد حسن نصر الله، وبين ماجد فرج وأتباعه في لبنان.
والواقع أن فرج مستاء من العاروري لعدة أسباب؛ منها أنه يقوم بإعادة تنظيم جسم حماس التنظيمي والعسكري في الضفة الغربية التي يعتبرها أبو مازن وفرج منطقة خاصة بنفوذ فتح بمقابل أن غزة التي هي منطقة خاصة بنفوذ حماس..
والشيخ العاروري هو من قيادي حماس القلائل الذين يتحدرون من الضفة الغربية، مما سهل عليه فتح الأبواب لحماس كي تعود بالتدريج إلى تلك المنطقة..
كما أن جماعة سلطة رام الله، يرون أن العاروري الذي لديه مصداقية كبيرة في حزب الله، يقوم بتغيير موازين القوى على الساحة الفلسطينية، وبخاصة في مخيم عين الحلوة، وذلك لصالح الإسلاميين، وعلى حساب تفوق فتح التاريخي في المخيم.
والى ذلك، فإن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يرى في نشاط العاروري في لبنان بالتنسيق مع حزب الله، بمثابة محاولة خطرة لنقل قيادة الشتات الفلسطيني من أيدي السلطة الفلسطينية في رام الله، إلى أيدي حماس وسلطة قطاع غزة. وهذه الهواجس هي التي جعلت أبو مازن يدعو المرة تلو الأخرى، الدولة اللبنانية إلى نزع السلاح الفلسطيني في مخيمات لبنان؛ وهدفه من ذلك خلق واقع يجعل المخيمات فيه تحت سلطة الدولة اللبنانية، ما يؤدي إلى وقف تمدد سيطرة حماس على الشتات الفلسطيني في لبنان؛ وخاصة في مخيم عين الحلوة الذي يسمى بعاصمة الشتات الفلسطيني؛ وهو المخيم الذي يقال عنه أيضاً، أن من يسيطر عليه، يسيطر رمزياً على ورقة قرار الشتات الفلسطيني..
وهناك داخل حركة فتح معركة وراثة أبو مازن في رئاسة حركة فتح والسلطة الوطنية الفلسطينية؛ والواقع أن ماجد فرج منخرط في هذه المعركة؛ وعليه فإن زيارته للبنان حملت معها بعض أجواء الانقسام الموجود داخل فتح بين محاورها المتنافسة على خلافة أبو مازن.
.. زد على ذلك، أن “حرب عين الحلوة” جاءت في توقيت أجواء جولة التفاوض التي جرت بين العاروري وأبو مازن في تركيا على المصالحة الفلسطينية المعقدة؛ وكان التحق بها ماجد فرج.
وقد بدت جولة العنف في عين الحلوة بمثابة استمرار للتفاوض في تركيا بين العاروري من جهة وأبو مازن وفرج من جهة ثانية، ولكن بالنار والرصاص في ميدان عين الحلوة..
وحالياً تجري الأطراف الفلسطينية عملية تدقيق للخسائر والربح نتيجة ما حصل؛ وقد تجد حماس التي لم تشارك مباشرة بالمعركة، أنها ربحت بمجرد أن المعركة أظهرت ضعف فتح المستجد في عاصمة الشتات الفلسطيني (مخيم عين الحلوة)، وأظهرت أن التيار الإسلامي في المخيم انتقل من الدفاع العسكري والسياسي إلى الهجوم.