الهديل

خاص الهديل: “جمهورية عين الحلوة”: معادلة “إستمرار التوتر”

خاص الهديل:

تجددت أمس الاشتباكات داخل مخيم عين الحلوة بين أطرافه العسكرية.. وواضح أن المخيم ذاهب إلى معادلة: “إستمرار التوتر”؛ بمعنى الدخول في جولات متتالية من الاشتباكات تؤدي إلى رسم تماسات داخله، تسمح بأن لا يقف إطلاق النار ولا يتحول إلى حرب شاملة. 

وبحسب معطيات ومعلومات متقاطعة، فإن مخيم عين الحلوة دخل “نادي دول الأزمات الساخنة”.. صحيح أن عين الحلوة هو مخيم لا تزيد مساحته عن الكيلومتر المربع الواحد إلا قليلاً؛ وبالتالي فهو ليس واحداً من دول المنطقة، إلا أن عيب هذا التفسير لمعنى عين الحلوة؛ يقع في أنه لا يلحظ معناه السياسي وواقعة الجيو السياسي – على المصغر – الذي يصوره على أنه له شكل “الدولة المستقلة للفلسطينيين في المنفى”؛ وعليه فإنه يجري التعامل مع أزمته وفق التطبيقات السارية على دول المنطقة التي تعاني من أزمات مزمنة لا حلول سياسية لها، وكل ما يمكن تقديمه لأزماتها هو إبرام هدنات عسكرية لا تزيل التوتر ولا تنهي الإنقسامات ولا تعيد الاستقرار السياسي.. وهذا عملياً هو واقع ليبيا وسورية والسودان واليمن ولحد أقل تونس، وحالياً هذا هو أيضاً واقع “دولة الشتات الفلسطيني في جمهورية عين الحلوة”. 

وهناك في الواقع سؤالان يفرضان نفسيهما في هذا المجال وهما: 

لماذا تم إلحاق “دولة الشتات الفلسطيني” بنادي أزمات دول المنطقة الساخنة المفروض عليها البقاء في مربع الأزمة وعدم الخروج منه إلى حالة الاستقرار السياسي التام؟؟..

.. الإجابة عن هذا السؤال تحتم النظر إلى مخيم عين الحلوة انطلاقاً مما يمثله داخل الملف الفلسطيني وداخل التسويات التي تحدث في المنطقة.. فهذا المخيم يختصر في أحد أبعاد أحداثه، أزمة فتح داخل كل معادلة الداخل الفلسطينية؛ حيث أن فتح تحولت إلى سلطة بعد ما كانت هي رأس حربة المقاومة الفلسطينية؛ ومأساة فتح هنا هي أنها صارت سلطة من دون أن تمنحها التسوية مع إسرائيل أية مقومات لممارسة السلطة؛ فتحولت إلى مجرد “مخفر” داخل مناطق الضفة الغربية.. فيما الفتحاويون الذين يعارضون قيادة محمود عباس، تحولوا إما إلى قوة تنتظر زوال زعامة أبو مازن للسلطة، لتحل مكانه، أو إلى قوة تبحث عن سبل عودتها إلى المقاومة ونزع ثياب السلطة عنها. وبهذا المعنى تبدو فتح – أبو مازن أشبه بشجرة عارية من أوراقها الخضراء، موجودة في ناحية نائية من الغابة. 

وحصل أنه نتيجة تراجع قوة فتح داخل منطقة غزة، قامت حركة حماس بتعبئته؛ كما أن بداية تراجع قوة سلطة فتح – أبو مازن في الضفة الغربية يقوم بتعبئته الفتحاويون من معارضي أبو مازن وعرائن الأسود وحركة حماس، الخ.. 

والواقع أن هذا الاحتمال فوق الساحة الفلسطينية في الداخل، انفجر داخل مخيم عين الحلوة على شكل جولات من العنف ستكون متتالية وذلك بين أطراف الساحة الفلسطينية الذاهبة إلى إعادة تشكيل مواقعها وأحجامها فوق الساحة الفلسطينية الداخلية المتحولة في توازناتها.

وهناك ثابتة يجب استحضارها هنا؛ وهي أن تراجع قوة فتح في أي مكان يوجد فيه فلسطينيين؛ سيؤدي حتماً إلى “تكون مساحة فراغ”، سيحدث فيها أزمة فلسطينية إما سياسية أو أمنية أو عسكرية أو حتى اقتصادية..

.. وحالياً يشهد مخيم عين الحلوة في جانب من أزمته الراهنة، تداعيات تناقص قوة حركة فتح بداخله. 

السؤال الثاني هو عن علاقة ما يحدث في مخيم عين الحلوة بالتحولات الجارية في المنطقة وبالوضع في لبنان.. وهنا يجب مرة أخرى عدم الاستهانة بضآلة “مساحة عين الحلوة الجغرافية”؛ حيث يجب التركيز دائماً على معناه السياسي المكثف؛ فهو على الأقل يمثل الشتات الفلسطيني حيث يطلق عليه تسمية “عاصمة الشتات الفلسطيني”، وهو أقله مخيم “مستقل” أمنياً، حيث بموجب اتفاقات خارجية فإن مؤسسات الدولة اللبنانية العسكرية لا تدخله؛ وهو أيضاً “مستقل سياسياً”، حيث لا سلطة عليه سوى سلطة التوازنات الفلسطينية الموجودة بداخله. 

..وما يفرق جولة العنف الحالية في المخيم عن جولات العنف السابقة الكثيرة التي شهدها، هو أن “حرب عين الحلوة” هذه المرة تجري في “توقيت أزمة” حادة بخصوص كيف يتصرف لبنان مع ملف اللاجئين والنازحين فوق أرضه، وذلك بمواجهة أن العالم يريد بقاءهم في لبنان تحت حجة أن النازح السوري لا يستطيع العودة إلى بلده لأن الأزمة السورية لا تزال من دون حل سياسي، وبحجة أن اللاجئ الفلسطيني لا يستطيع العودة إلى أرضه لأن التسوية النهائية لم تحصل بعد، ولأن حل الدولتين لا يزال محل رفض إسرائيلي له. 

ويبدو واضحاً أنه في ظل تعثر حل الدولتين، وفي ظل تعثر حل أزمة النزوح واللجوء في لبنان، وفي ظل أن أزمات المنطقة الذاهبة لتجميد سياسي لها، فإن مخيم عين الحلوة يشهد تغييراً في نظرته لنفسه، وفي نظرة العالم له؛ بحيث أصبح يخضع لنفس التطبيقات السارية على دول المنطقة الساخنة؛ وذلك لجهة اعتباره أنه “دولة دائمة التوتر” بانتظار هدنة ترسي استقراره الأمني وليس السياسي، ذلك كون مسألة انتظار حل لعلة وجوده (أي تنفيذ قرار حق العودة) هي أمر غير مطروح لا دولياً ولا إقليمياً.

Exit mobile version