خاص الهديل:
بعد طرح رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عقد لقاء تشاوري لوزراء في مقر البطريركية المارونية الصيفي في الديمان؛ استنفر المصرون على إبقاء خطوط التماس القابلة للاستثمار الطائفي قائمة؛ وكان على رأس هؤلاء رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل..
وكان فطيناً رئيس الحكومة حينما أجاب الضجة التي أثارتها الجوقة ذاتها التي اعتادت “النق” السياسي؛ بكلمات مختصرة، مفادها أن الفكرة ولدت بنت ساعتها، أي خلال وجود ميقاتي في الديمان؛ وهي فكرة لا تدعو لعقد جلسة حكومية؛ بل للقاء تشاوري يمكن أن يعقد في أي مكان تحت سطح الشمس..
.. وختم الرئيس ميقاتي: .. ولكن كالعادة يبدو أن هناك من لا يفهم مقاصد الكلام..
والسؤال الذي يطرحه كلام ميقاتي تعقيباً على رد فعل جوقة النق على كلامه من الديمان؛ هو ما الذي استفز باسيل من فكرة عقد تشاور بين وزراء في الديمان؟؟..
الإجابة عن هذا السؤال تقع في زاويتين اثنتين حشر فيهما ميقاتي “جبران باسيل زعيم جوقة النق على حكومة الصمود بوجه الفراغ”:
الزاوية الأولى تتمثل بأن باسيل وجد نفسه محشوراً سياسياً بمجرد أن رأى نجيب ميقاتي في بكركي، وبمجرد أن شاهدهما – ميقاتي والراعي – في حالة تباحث وطني لإيجاد حلول لمشاكل البلد والناس والشغور الرئاسي.
وكل مشكلة باسيل هنا تكمن في أنه يريد بكركي أو الديمان مكاناً للتعبئة الطائفية لمصلحته؛ فيما الكاردينال الراعي والرئيس ميقاتي أظهرا إرادتهما في أن تبقى بكركي في الشتاء والديمان في الصيف، بمثابة منصة للوحدة الوطنية، ولإبقاء الدولة على تماس مع هموم الناس.
الزاوية الثانية التي وجد باسيل وأترابه في جوقة النق على الحكومة، محشورين فيها، تتشكل من أن إعلان ميقاتي من الديمان عن لقاء تشاوري فيها لوزراء؛ شكل بالنسبة لميقاتي تحدياً كبيراً وإحراجاً صعباً، كونه لا يريد أن تتمظهر للرأي العام صورة تفيد بأن بكركي في خط واحد مع الحكومة في التوجه لعدم توفير أية وسيلة تؤدي لتلبية حاجات الناس الملحة.
لقد نجح ميقاتي خلال الفترة التي تلت خروج ميشال عون من قصر بعبدا، باستنزاف قدرة باسيل على منع الحكومة من ممارسة صلاحياتها في إطار تصريف الأعمال. وبدل أن تصبح حكومة ميقاتي رهينة صفارة باسيل المتلطية وراء عنوان الحفاظ على موقع رئاسة الجمهورية في النظام اللبناني؛ أصبح باسيل أسير منطق ميقاتي الذي يتحدث عن التصدي مهما كلف الأمر لحاجات المواطن الملحة.. وأصبح ميقاتي بعد كل الأهداف المحقة والنظيفة التي وضعها في مرماه؛ أكثر قدرة على احتواء شعبوية باسيل، خاصة بعد المعنى الوطني الذي تركه اللقاء الأخير بينه وبين الكاردينال الراعي الذي لا يستطيع باسيل الإدعاء بأنه أكثر حرصاً منه على موقع رئاسة الجمهورية..
إن لعبة انقلاب السحر على الساحر تنطبق هذه الأيام على مناورات باسيل تجاه حكومة ميقاتي، حيث أصبح باسيل أشبه بمصارع بات وحيداً في الحلبة، ويقوم بلعبة التناحر مع ظله..
إن الأحداث الجارية منذ خروج الرئيس عون من قصر بعبدا، تؤكد من جهة أن حكومة تصريف الأعمال نجحت في تصريف خطط باسيل إلى خارج حلبة عمل الحكومة، ونجحت في إبعاد حالة الفراغ من كل مؤسسات الدولة كما يريد باسيل وأشقاؤه السياسيون.. وبنفس الوقت لم تتخل الحكومة، ولا رئيسها عن التزامهما الكامل بالاحترام لحدود تصريف الأعمال، وذلك على نحو لا يمس ولو شعرة واحدة في جفن صلاحيات فخامة الرئيس.
صحيح أن هناك مشاكل تواجه مؤسسات الدولة بسبب غياب الإمكانات، ولكن من المهم أن ليس هناك تقصير من قبل الحكومة في أن تتواجد حيثما تستطيع أن تكون موجودة، وحيث تسمح لها بذلك الامكانات المتوفرة.. فالمشاكل الناتجة عن قلة الإمكانات مفهومة وربما مبررة، أما غياب الحكومة من كل المؤسسات وعن المؤسسات التي تستطيع التواجد فيها، وذلك لأسباب سياسية، فهو أمر غير مقبول لا من المواطن ولا من بكركي وبالأساس غير مقبول من رئيس الحكومة ميقاتي.
وخلاصة القول في هذا المجال أن حكومة تصريف الأعمال الميقاتية، تبين أنها تمارس سياسة دولة، وليس سياسة أحزاب وطوائف وشعبوية، وأثبتت – وهذا هو الأهم – أن البلد قادر على أن يستمر، رغم كل الظروف الصعبة؛ وأثبتت أن لبنان يستطيع الصمود لغاية إنتاج حل داخلي يدعمه الخارج أو لغاية إنتاج حل خارجي يقبل به الداخل.. إن إحدى أفكار حكومة ميقاتي هي أنها حكومة تدعم صمود البلد حتى يأتي أوان الحل؛ وهي ترفض ترك البلد ينهار قبل وصول الحل..
.. إنها حكومة صمود.. وحكومة الأمل في وقت اليأس.. وحكومة المستطاع في وقت الجدب..