الهديل

خاص الهديل: أزمة “شحطة القلم” مع الكويت: “مضى زمن المشمش العربي”!!.

خاص الهديل…

آخر شيء يحتاجه لبنان هو افتعال أزمة عن قصد أو عن جهل، مع دولة الكويت الشقيقة. 

وهذه ليست المرة الأولى التي تصدر عن وزراء أو شخصيات لبنانية تصريحات تثير اشمئزاز دول الخليج. ولكنها بالعمق تسيء معنوياً ومادياً لعلاقات لبنان بدول الخليج.. والقضية هنا لا تتعلق برأي أو بوجهة نظر، بل تتعلق بخطيئة وبإساءة وبكلام غير مسؤول..

والواقع أن اعتراف لبنان بأنه درج في السنوات الأخيرة على ارتكاب أخطاء بحق دول عربية وبحق الإجماع العربي، هو أمر لا يكفي، وسبب ذلك لا يعود إلى أن العرب يريدون معاقبة لبنان، أو يريدون إذلاله لأنه أدار ظهره لجمائلهم عليه؛ بل يعود إلى أنه بات على لبنان أن يفهم طبيعة ما يجب عليه أن يكون سلوكه تجاه أشقائه العرب، فيما لو أراد الحفاظ على امتيازاته العربية.. وأيضاً عليه أن يفهم نوعية المتغيرات التي تسود المنطقة بعامة، ودول الخليج العربي بخاصة.. 

وأبرز هذه التغيرات تقع في أن دول العالم بعامة ومنها العربية، لم تعد جمعيات خيرية، فالسياسات التي تقدم المساعدات للشعوب الفقيرة باتت مدروسة وتتوخى أن تكون منتجة وشفافة، بمعنى أن أحداً في العالم، وليس فقط الكويت، لم يعد يمارس سياسات “شحطة القلم” والتصرفات العشوائية.. 

أضف إلى ذلك، أن لبنان بخاصة لديه مشكلة مع الدول التي تنتهج سياسات التدخل الإنساني عبر العالم، ومرد ذلك يعود إلى أن لبنان يعاني من تفاقم ظاهرة عدم شفافية صرف المساعدات الدولية والعربية المقدمة إليه.. ففي أوروبا تقوم حفيظة البرلمان الأوروبي هذه الأيام؛ لأن جزء كبيراً من المساعدات الأوروبية التي أرسلت إلى لبنان لتمويل مشاريع إنمائية فيه، سرقتها الطبقة السياسية وبددها الفساد السياسي والحزبي المهيمن على لبنان..  

والواقع أن آخر طرف في العالم يحق له أن يعتب لأن العالم تأخر في مساعدته هو لبنان.. وبالمقابل فإن آخر جهة في العالم يمكن التشكيك بشفافية المساعدات التي تقدمها للبنان وغير لبنان، هي الكويت.

.. فالكويت تعتبر من أبرز الدول التي تنشط في مجال إنقاذ الشعوب من حالات الكوارث الطبيعية أو الناتجة عن تعثرات اقتصادية حادة. وهذا التميز في هذا المجال جعل للكويت مكانة متقدمة على هذا الصعيد، بحسب تصنيفات الأمم المتحدة التي سمت أميرها الراحل بفارس الإنسانية، والتي تمنح احتراماً كبيراً في هذا المجال لأميرها الحالي.. فالكويت دولة وقيادة وشعباً، تتسم بالعطاء الإنساني، وهي دولة تعتبر أن وجودها الفعال حيث يكون هناك كارثة إنسانية في أي زمان وفي أي مكان في العالم، هو واجب وطني وإنساني عليها تلبيته. 

ومعظم الصحفيين الذين زاروا الكويت شاهدوا هناك غرفة عمليات كبيرة للتدخل الإنساني السريع حول العالم، وليس المقصود هنا التدخل العسكري السريع، بل تدخل الخير وبلسمة الجراح.. ويمكن القول أن الكويت لديها مظليون من أبنائها جاهزون في أي لحظة للهبوط وراء خطوط الفقر، وفوق أرض الكوارث لإطعام أفواه الجائعين، وبلسمة جراح المصابين، وإنقاذ البشر من ظلم الكوارث.. وبالمقابل لا يوجد لدى الكويت مظليون للهبوط بالسلاح والمخدرات لتخريب السلم أو الاستقرار أو بسط نفوذ يتوسل الهيمنة والتدخل بشؤون الآخرين. 

.. وعليه فإن الكويت حينما تستثار وتغضب نتيجة الإساءة لدورها في المجال الإنساني التي هي رائدة فيه، والذي هناك اعتراف من الأمم المتحدة به؛ فإن ذلك مفهوم لكل صاحب نظر؛ ولكن ما ليس مفهوماً هو أن تطلب جهة متهمة بتبديد المعونات وبالإفساد في العباد والأرض “شحطة قلم” كي تحصل على المزيد من المساعدات، ومن دون تدقيق.

“مضى زمن المشمش” حسب مثل عربي شائع في الخليج؛ فلبنان بحسب تقاليد الشهامة العربية يستحق المساعدة، ولكن بحسب سياسات الدول الرشيدة التي تريد رؤية إنتاجية لسياساتها؛ فإن لبنان حتى يستحق المساعدة العربية، عليه أن يثبت أن أوضاع الحكم فيه تغيرت من حال الفساد إلى حال الإصلاح، وذلك من أجل نفسه وليس من أجل العرب؛ ومن أجل شعبه وليس من أجل شعوب العالم.  

لقد انتهى زمن تقديم هبات ومساعدات وحتى قروض تذهب لجيوب السياسيين بدل أن تذهب لسد حاجات المواطنين.. 

لقد انتهى زمن دفع الضريبة العربية للبلطجة السياسية في لبنان..

لقد انتهى زمن الإستمرار بسياسة عفا الله عن ما مضى عن الإساءات اللبنانية للعرب “بشحطة قلم”..

ليس أمام لبنان بعد الآن إلا أن يصبح دولة وأن يحكمه رجال دولة وليس رجال عصابات؛ ولا أبناء نادي “اسرق ما في الخزينة يأتيك مال الغيب العربي”!!. 

مضى زمن المشمش العربي..

Exit mobile version