خاص الهديل:
.. فيما كان مراقبون ينتظرون أن تسفر الحوارات الكبرى بين السعودية وإيران، وأيضاً بين طهران وواشنطن عن اتفاقات تؤدي نتائجها إلى انفراجات سياسية واقتصادية في لبنان؛ فإن اللافت أن قوى نافذة داخل لبنان، بدأت تميل إلى اعتبار أن اتفاق بكين السعودي الإيراني يواجه تعثرات ليست قليلة، وأن مبادرة الرياض تجاه دمشق وصلت إلى حالة تجميد؛ وأن التقدم على جبهة الحوار بين إيران وإدارة بايدن تراجع كثيراً؛ فيما التقدم الوحيد الذي حصل وسط فشل كل هذه الحوارات والمبادرات الكبرى التي ينتظر لبنان نتائجها، يتمثل ببدء الحوار بين جبران باسيل وحزب الله، وبعودة الحديث في حارة حريك وميرنا الشالوحي عن تقدم في هذا الحوار الذي أصبح جدياً كما يتم وصفه الآن، مع التأكيد بنفس الوقت على أن إنضاجه لا يزال يحاجة إلى مزيد من الوقت!!..
والواقع أن الإشكالية التي تطرحها عملية التبشير بأنه يمكن الاستغناء عن الحوارات الدولية والإقليمية بالحوار بين ميرنا الشالوحي وحارة حريك؛ ليست مقنعة، وفيها تبسيط واضح، وذلك لعدة أسباب:
أولها أن الحوار بين الطرفين (باسيل والحزب) تعرض بحد ذاته لاستهلاك سياسي ووطني ومعنوي كبير، وذلك من عدة نواحي؛ فهو من جهة يذكر بتجربة فاشلة قادت إلى عهد عون، ويذكر بما حدث خلال هذا العهد وبعد انتهائه؛ وهو من جهة ثانية حوار يبحث في العمق عن “صفقة” تؤمن مصالح جبران باسيل كثمن لتأييد الأخير ترشيح سليمان فرنجية؛ علماً أن المطلوب هو البحث عن ثمن وطني لإنقاذ لبنان، ولإنقاذ موقع رئاسة الجمهورية من الشغور الغارق فيه.
وثانياً لأن حوار باسيل مع حزب الله لا يكفي لحل أزمة الشغور الرئاسي حتى لو وصل إلى خواتم سعيدة؛ ذلك أن ما يحتاجه فرنجية لنيل الرئاسة هو الذهاب لانتخابات في البرلمان تسفر عن انتخابه كرئيس، وليس إلى تسوية أو صفقة تسفر عن تعيينه رئيساً يوافق عليها البرلمان!!..
الواقع أن الفكرة التي لم تصل بعد إلى معظم الأحزاب اللبنانية تكمن في أنه لا الخارج ولا الداخل عاد بمقدوره انتخاب رئيس عبر صفقة تكون بديلة للعملية الانتخابية، أو عبر اتفاق محاصصة ينوب عن جلسة انتخابية تؤدي إلى انتخاب رئيس..
.. وباختصار فإن فكرة تعيين الرئيس قبل انتخابه لم تعد قابلة للتطبيق نظراً لتغير الظروف الإقليمية والدولية وحتى الداخلية.
وأكبر دليل على صحة هذا الأمر، هو ما حدث مع ماكرون وموفده السابق، وما يحدث اليوم مع ماكرون وموفده الجديد لودريان..
وبخصوص هذه الجزئية تجدر الإشارة إلى أن ماكرون حينما جمع كل القوى السياسية اللبنانية في قصر الصنوبر في بيروت، اعتقد أنه أبرم الصفقة اللبنانية الكبرى؛ ليكتشف لاحقاً أن زمن الصفقات ولى؛ وأن لبنان يحتاج إلى “تسوية عادلة”، لا يوجد لدى فرنسا ولا لدى غيرها من الخارج، مفتاحها..
ثم عاد ماكرون بعد طول يأس، ليجرب مفتاح لودريان الذي يعتبر في باريس أنه “كيسنجر فرنسا”، نظراً لقدراته الدبلوماسية المجربة أقله في الخليج العربي. ولكن مواهب لودريان لا تكفي لتغيير حقائق استجدت على المستوى المحلي اللبناني والخارجي؛ وخلاصتها أن لبنان يحتاج “لتسوية عادلة” تعيد إنتاج الدولة فيه، وليس لصفقة تشبه “طبخة السم” التي تسفر عن كوارث مستديمة، وليس عن حل مستديم.
إن التسوية العادلة تحتاج لتحرير عملية انتخاب رئيس الجمهورية من بدعة أن التحاصص يؤدي إلى الوصول اليه، وليس انتخابه بحسب الآلية الدستورية في مجلس النواب..
إن التسوية العادلة تشترط أن يتم انتخاب رئيس الجمهورية حسب الآلية الدستورية؛ والأهم من ذلك، أن تقبل كل الأطراف السياسية بنتائج العملية الديموقراطية الانتخابية.. فالانتخابات مهمة لسلامة التداول السلمي للسلطة، ولكن القبول بنتائجها هي السمة الأهم الدالة على نجاح العملية الديموقراطية..
إن التسوية العادلة تشترط إلغاء مبدأ أن انتخاب الرئيس يتم نتيجة تسوية أو صفقة سواء كانت داخلية أو خارجية، وسواء كانت بمقايضة مع باسيل أو بمقابلة بواسطة لودريان..
قصارى القول هنا، أن إنهاء الشغور الرئاسي هو أمر سهل في حال جرى وفق الآلية الدستورية في مجلس النواب ووفق مبدأ أن الجميع يقبل بنتائج الانتخابات؛ ولكنه بلا شك هو أمر صعب، بل مستحيل، فيما لو تم الانتظار حتى يجري بعد إبرام صفقة داخلية أو خارجية..
.. وحده مسار الانتخاب وفق الدستور، ووفق مبدأ القبول بنتائج الانتخابات، يؤدي إلى وصول رئيس لكل الجمهورية؛ أما تعيين رئيس جمهورية قبل انتخابه، وتحت سقف أنه وليد صفقة ومحاصصة؛ فهو سيكون رئيس جمهوريات ودويلات وظل عاثر لمشاريع خارجية!!..