الهديل

خاص الهديل: “كوع الكحالة”: شاحنة السلاح تصطدم “بلغم صدفة الاحتقان”!!.

خاص الهديل:

الكثير من اللبنانيين الذين عايشوا الحرب الأهلية لا زالوا يحفظون مصطلح “كوع الكحالة” الذي شهد الكثير من أعمال العنف.. والواقع أنه لا أهل الكحالة ولا كل أهل لبنان يريدون العودة إلى منزلق كوع الكحالة بمعناه الذي برز خلال الحرب الأهلية.. فالكحالة، في موقعها وفي تاريخها السلمي وليس الحربي الذي فرضته ظروف الفتنة لفترة؛ هي نقطة وصل بين مناطق بلد الأرز، وحتى بين ثقافات متسامحة ومسافات بعيدة.. 

وبكل الأحوال فإن لبنان كاد يوم أمس أن ينزلق ليدخل ما تبقى من استقراره الأمني، داخل معنى “كوع الكحالة” كما برز في فترات اشتداد جولات العنف خلال الحرب الأهلية.. 

وما حدث أمس يجب أن يلفت نظر كل المعنيين الى المؤشرات المهمة التالية: 

أولاً – أن لبنان بلد قابل للاشتعال، وأن أمنه هو رهن خطأ يحدث على “كوع” على الاوتوستراد السياسي العريض؛ أو رهن تجاوز يحصل في “زاروب” مدينة جائعة؛ أو رهن “واقعة صادمة” تحدث في “قرية نائية” أو “بلدة حدودية”.. 

المؤشر الثاني الذي يجب التنبه له بشدة هو أن الجيش يبقى الضمانة، ليس فقط لحماية اللبنانيين من العدو الخارجي، بل أيضاً لحمايتهم من أنفسهم، ومن غرائزهم، ومن سرعة استدارتهم ليعودوا لخطاب الحرب وممارسات الفتن الأهلية..

صار واضحاً أن البلد غير متماسك أمنياً؛ وأن الجيش يعمل “وراء خطوط غرائز الطوائف” حتى ينجح في استيعابها، ويعمل بين سطور خطابات زعماء الطوائف المستفزة لبعضها البعض حتى يطفأ تأثيرها على الأمن الأهلي.. وعليه فإن المطلوب من الشعب أن يقف مع مهام الجيش الوطنية في كل منطقة ينفذ بها الجيش مهمة لنزع فتيل الحرب الأهلية؛ وأن يدير (أي الشعب) ظهره لخطابات أحزابه التحريضية، ويمد يده للجندي وهو يقوم بواجبه الوطني. 

.. ما فعله الجيش أمس في الكحالة، كان هو الوسيلة الوحيدة لمنع دخول الكحالة وكل لبنان في مأزق “كوع الكحالة”؛ فالجيش حينما يعالج أية أزمة داخلية تتفاقم على الأرض، إنما يحمي بمجرد وجوده، الأرض التي يعمل عليها، ولا يخلف في أثر مهمته كرامة منقوصة بالمعنى الوطني.. 

صار الأمن في هذه اللحظة مرهوناً لحد كبير بتعمق ثقة المواطن بالجيش، وصار الجيش في هذه اللحظة أكثر من أي وقت مضى، بحاجة لحماية الشعب له؛ كون أخطر المؤامرات على لبنان، تبدأ من نقطة وضع الجيش بوجه الشعب؛ وإنهاء معادلة أن الشعب ظهير للجيش.  

وبما أن الوقت الراهن هو للتهدئة، ودعم كل الجهود المخلصة السياسية والاعلامية لحماية الاستقرار أو ما تبقى منه؛ فإنه قد يكون من الحكمة في هذه اللحظة الاكتفاء بالملاحظات التالية بخصوص ما حدث يوم أمس: 

الملاحظة الأولى تتصل بأن يوم أمس أظهر أن الاستقرار في لبنان يمكن أن ينفجر بفعل دوس أحد أحزابه أو جهاته على “مصادفة ملغومة”؛ بمعنى أن الاستقرار في لبنان يحتاج للعناية الفائقة، فهو معرض للاهتزاز ليس بفعل مؤامرة بل لمجرد حصول خطأ بالصدفة.. 

.. وهذا الواقع يسقط نظرية تنام عليها المؤسسة الرسمية الحاكمة منذ فترة طويلة ومفادها أن الأمن في لبنان بخير رغم كل ظروفه وذلك بفضل أن تركيبة اللبناني “ضد الكسر الامني”.. والحقيقة التي قالتها أحداث الكحالة وغيرها هي أن الأمن في لبنان ممكن أن ينفجر نتيجة صدفة وليس فقط بفعل مؤامرة محبوكة دولياً وإقليمياً، الخ..

الملاحظة الثانية تؤشر إلى أن أخطر ما يهز أمن البلد هو الاحتقان الداخلي الذي لا تتم معالجته سياسياً.. صحيح أن لبنان يستهلك الأحداث والوقائع السياسية بسرعة.. وصحيح في الظاهر أن لبنان يعيش السياسة بوصفها مشاهد يومية وغير متصلة.. وصحيح بالظاهر أيضاً أن لبنان بلد تدار أموره السياسية وفق طريقة “إصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب”؛ ولكن في العمق تبدو كل هذه الانطباعات عن السياسة في لبنان سطحية؛ كون الأحداث فيه تثبت المرة بعد الأخرى، أن لبنان ذو قابلية عالية للاحتقان، ويخزن الوقائع على طريقة ما تفعله بواطن الأرض حينما تخزن عوامل تفجر البركان..

وأخطر ما يشهده لبنان في هذه المرحلة هو أن معظم قواه السياسية تمارس سياسة تؤدي إلى تعميق حالات الاحتقان الطائفي والمذهبي والمعيشي والاجتماعي والأمني.. 

إن حادثة أمس في الكحالة، لم تنفجر نتيجة وجود مؤامرة خارجية أو نتيجة تخطيط مسبق؛ بل انفجرت نتيجة اصطدام “الواقع المحتقن” “بلغم مصادفة” غير محسوبة…

Exit mobile version